محمد الصياد

هل يمكن أن تكون هبّات ldquo;الربيع العربيrdquo; من إنتاج أجهزة تخطيط وتنفيذ لها أهداف جيوسياسية متوسطة وبعيدة المدى؟

مثل هذا التصور والاعتقاد برز وتعزّز بعد نجاح القوى الغربية في الدخول على خط ثورات ldquo;الربيع العربيrdquo;، خصوصاً على النحو الفاقع الذي شهدناه في ليبيا والآن بشكل أوضح وأكثر صراحة في سوريا .

ولاشك في أن هذا الجدل المتجدّد يكتسب جدته وحيويته مع حلول الذكرى السنوية الأولى لانطلاق ثورات ldquo;الربيع العربيrdquo; التي أشعل فتيلها الشباب العربي الغاضب، واجتاح بها أنظمة بوليسية راسخة في تونس ومصر في فترة زمنية قياسية .

بعض المجادلين المرجّحين لذلك الاعتقاد، يستعيدون شريط بداية تفجر الأحداث في تونس ثم في مصر، وكان بطلاها ldquo;المجهولانrdquo;، ldquo;الفيس بوكrdquo; وrdquo;تويترrdquo; اللذين استعان بهما شباب الثورة في تونس أولاً وفي مصر تالياً، ويعيدون إلى الأذهان كيف حاول نظام حسني مبارك قطع ldquo;شريان الحياةrdquo; عن شباب الثورة وسلاحهم الفتاك، أي ldquo;الفيس بوكrdquo; وrdquo;تويترrdquo;، بالمسارعة إلى تعليق عمل شبكة الاتصالات بهدف تعطيل شبكة التواصل الاجتماعي التي سجلت في ذلك الوقت في كل من تونس ومصر، أعلى نسبة مشاركة منذ إطلاق خدمتيهما في البلدين، ويتذكرون أيضاً كيف أثار ذلك الإجراء البوليسيّ الحكوميّ المصريّ غضب واستياء البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، ومطالبتهما اللحوحة والشديدة اللهجة للرئيس حسني مبارك بإرجاع خدمة الإنترنت على الفور، فانصاع النظام وأرجع الخدمة ولو بصورة متقطعة حفظاً لماء الوجه .

نحسب أن الثورات لا تُصنع بحيث يمكن اختيار مكانها وتحديد زمن إطلاقها (أي ساعة صفرها كما في الانقلابات العسكرية)، حسبما تذهب رغبات وإرادة مصنّعيها، وتبعاً لما تستدعيه حاجتهم . الثورات تتخلّق على إيقاع وتيرة الحياة الاجتماعية التي يتراكم خلال تضاداتها سخط متدرج الحدة إلى أن يصل إلى درجة الغليان التي تسبق الانفجار، ما لم يتم تنفيسه في اللحظة المناسبة . وهذا الوضع المتفجر لا يحدث إلا نادراً، حيث إن عملية ldquo;احترارrdquo; السخط الشعبي العام إلى درجة الغليان، تأخذ وقتاً طويلاً نسبياً، ولذلك فإن انفجار الأوضاع على النحو الذي شاهدناه في غير بلد عربي مطلع العام الماضي، كان متوقعاً من قبل عديد المفكرين والباحثين الاقتصاديين، الذين كانوا يقرأون ldquo;نضجrdquo; الأوضاع واقترابها من ldquo;لحظة الانفجارrdquo;، في أرقام ومؤشرات الأداء الاقتصادي الفاشل والمفضي حتماً إلى تلكم النتائج المدوية .

وبهذا المعنى، فإن ثورات ldquo;الربيع العربيrdquo; لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال من مخرجات أفكار انقلابية تآمرية، بقدر ما هي نتاج حصاد متراكم من السخط الناجم عن تصاعد حدة التهميش والإفقار والإذلال، مع الملاحظة هاهنا بأن الكرامة (Dignity) كانت أحد العناوين الرئيسة التي تصدرت مشاهد الاحتجاجات الشبابية .

ولكن هذه الاحتجاجات كانت من الاتساع والتداعي السريع داخلياً وإقليمياً وعالمياً، بحيث إنها خلقت نوعاً مما يمكن أن نطلق عليه فوبيا ldquo;الربيع العربيrdquo; . فأمام الخوف من سرعة انتشار ldquo;عدواهrdquo;، كان لابد للقوى المضادة للتغييرات النوعية، الداخلية والجيوسياسية، التي كانت ستترتب عليه، وعلى رأسها الولايات المتحدة الحليف التاريخي للديكتاتوريات ولأنظمة الاستبداد في العالم، وكافة حلفائها في الغرب والشرق، أن تستنفر كل قواها والتحرك سريعاً لوقف ذلكم التطور النوعي ldquo;الخطرrdquo; والمفاجئ والمنذر ldquo;بأوخم العواقبrdquo; الاقتصادية (المتصلة بموازين القوى) والجيوسياسية، ليس بأدوات القمع التقليدية الفاضحة، وإنما عبر أساليب الاحتواء والالتفات، والإمساك بعنان الحصان كي لا يجمح وتوجهه الوجهة المرغوبة .

وهذا ما حدث وتحقق، حتى الآن، النتائج المتوخاة وأهمها تحويل الربيع العربي إلى خريف متجسّد في النتائج المعاكسة للمسارات التي كان ldquo;الربيع العربيrdquo; يتجه إليها، والأهداف التي خطّتها ثوراته الشبابية العارمة .

هل تستطيع ldquo;الهندسةrdquo; الماكرة والبارعة، إعادة تحوير وصياغة النظم العربية المستبدلة، أو تلك التي هي قيد الاستبدال- في إطار الأجندة الشرق أوسطية الكبرى في استخلاف ldquo;المتعاقدينrdquo; الجدد مع ldquo;المتعهدrdquo; الأكبر- أن تضع نقطة على السطر لتكون خاتمة آمنة وسعيدة لغليان ربيع 2011؟

سوف يجد الحكام الجدد أنهم مطالبون بتحقيق مطالب ليس بالسهل تحقيقها في ضوء المعطيات المتوافرة، أقلها تحقيق معدل نمو لا يقل عن 8-10% سنوياً لتأمين حاجات جيل واحد، ومقابلة الضغوط الديموغرافية، وتحديات التحول الديمقراطي، وإمدادات الطاقة والأمن الغذائي .

فهل يستطيعون مقابلة هذه التحديات بأجنداتهم وبرامجهم غير المعلنة وبالتزاماتهم التي قطعوها على أنفسهم أمام هذا ldquo;المتعهدrdquo;، أو ذاك؟