محمد الباهلي

لا يمكن بلورة ملامح الصورة التي ستكون عليها المنطقة العربية بعد سنوات من الآن، اعتماداً فقط على نتائج التغييرات التي شهدتها بعض الدول العربية، أو المتغيرات السياسية والأمنية التي عرفتها المنطقة عموماً، أو التهديد الإقليمي متمثلاً في الصراخ المتبادل بين وأميركا وإسرائيل.

وإذا عدنا في التاريخ إلى الوراء، وتحديداً إلى اتفاقية quot;سايكس بيكوquot; الموقعة عام 1916، والتي قسمت المنطقة العربية بين الفرنسيين والبريطانيين، وهو تقسيم رافقه quot;وعد بلفورquot; الذي مهد لقيام إسرائيل، وما أعقب ذلك من حروب وأزمات... نجد أن ما يحدث اليوم في المشهد العربي من محاولات لإثارة الفتن والنزاعات، هو في الأغلب جزء من نتائج سايكس بيكو.

صحيح أن هذه الاتفاقية مر عليها قرابة التسعين عاماً، إلا أن آثارها تجذرت وأدت إلى تعميق التجزئة، وحالت دون تحقق الوحدة.

وكثيراً ما تأكد بأن فهم بعض التحديات التي يواجهها العالم العربي، يستلزم العودة إلى الوثائق التاريخية الخاصة بالمنطقة، وفتح أرشيف المشاريع والخرائط التي أعدتها وكالات المخابرات الأجنبية ومراكز البحوث ومعاهد الدراسات الاستراتيجية لعاملة لصالح تلك الوكالات على مدى 90 سنة الماضية. وهو أرشيف يحتوي على العديد من السيناريوهات للمنطقة ومستقبلها، مما لا نعلم عنه الكثير، لكن المؤكد أنه يتضمن جهداً منهجياً مكثفاً لتمويل بعض الأطراف الداخلية والخارجية قصد الاستفادة منها في تحقيق أهداف محددة.

وربما تكمن المشكلة في أن العالم العربي لم يواجه تلك التحديات الممنهجة، والتي تهدف في مشاريعها واستراتيجياتها إلى الإضرار بالمنطقة، بجهد وقائي مضاد. أعني أنه لم تكن للعرب سياساتهم الخاصة وعقولهم الوطنية المختصة ومراكز أبحاثهم التي تدرس مثل تلك التوجهات وتضعها تحت مجهر الفحص والتشخيص، حتى تتبلور رؤية عربية واضحة حول مفهوم الأمن القومي العربي والأخطار التي تواجهه.

وهنا أقتبس من الدكتور محمد عبدالغفار، مستشار ملك البحرين للشؤون الدبلوماسية ورئيس quot;مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقةquot;، قوله خلال quot;مؤتمر الأمن الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربيquot;، المنعقد مؤخراً في المنامة، أن المركز عكف على رصد الكتب والبحوث التي نشرت حول أمن منطقة الخليج العربي خلال السنوات الماضية، ليجد أن quot;معظمها قد صنف من قبل باحثين أجانب انصبت جهودهم على تحليل مسائل متعلقة بأمن الخليج وتطوير مفاهيم أمنية لا تضع في الاعتبار رؤى ومصالح دول مجلس التعاونquot;. ثم يضيف: quot;عندما شرعنا في التحضير لهذا المؤتمر وضعنا نصب أعيننا ضرورة محاولة وضع دراسات وتقارير عن مفاهيم استراتيجية وقضايا أمن الخليج من قبل الباحثين والمختصين من أبناء دول مجلس التعاون، وتشجيع القائمين على مراكز الدراسات الخليجية على ضرورة التعاون فيما بينهم لتحقيق تلك الرؤية أسوة بمعاهد الفكر في الدول المهتمة بقضايا المنطقة وللتأكيد على الدور الذي يمكن أن تضطلع به هذه المراكز في طرح مرئيات خليجية لمواجهة التحديات المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار في جميع دول المجلس وتقديمها إلى صناع القرارات الاستراتيجية لدولنا، كما تفعل حكومات الدول المتقدمة التي تتخذ قراراتها بناء على دراسات وخطط قصيرة وطويلة المدىquot;.

إننا بحاجة إلى تعميق الشعور بالمسؤولية تجاه التهديدات والمخاطر التي تتعرض لها الأمة العربية، وإدراك حقيقة أنه لا توجد حلول سهلة وسريعة، لكننا بالتصميم والإرادة الصلبة سنكون قادرين على تجاوز التحديات والمخاطر، وتحقيق حالة من الأمن والاستقرار لمنطقتنا العربية.