يوسف البنخليل

طبول الحرب تدق في منطقة الخليج، واشنطن تهدد، ولندن تُصعد، وتل أبيب تتوعد، ودول الخليج تترقب. ماذا يحدث؟ ببساطة هناك محاولات غربية مستميتة لاستغلال المخاوف الخليجية من التهديدات التي باتت طهران تشكلها على مستوى الأمن الداخلي والخارجي في منطقة الخليج في شن هجمات عسكرية ضد إيران من أجل خفض قدراتها النووية المثيرة للجدل. دول مجلس التعاون الخليجي، وإن كانت خلال الفترة الماضية أعلنت سلسلة من الأسلحة العسكرية من قبل بعض الدول الغربية والآسيوية. إلا أنها تدرك جيداً مخاطر ومعاني حرب إقليمية ضد طهران، لأنها لن تكون حرباً عادية بل ستكون حرباً غير تقليدية. ولذلك فإن مواقفها تقوم على فتور شديد إزاء المحاولات الغربية لجرها في حرب ضد طهران، بمعنى أن القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تتطلع لتحجيم القدرات العسكرية غير التقليدية لإيران حماية لإسرائيل، ودول مجلس التعاون تسعى لتحجيم النفوذ السياسي المتنامي لطهران في بلدانها بعد أن تحول العراق لجمهورية إيرانية ثانية شمال الخليج. بالتالي فإن الاستغلال المتبادل هنا هي المحاولة التي يتم التسويق لها غربياً على دول مجلس التعاون الخليجي. والسؤال هنا؛ هل من مصلحة دول المجلس أن تندلع حرب ضد إيران؟ من الناحية العاطفية سنجد هناك شبه اتفاق عام في دول الخليج على مستوى الحكومات والشعوب لضرب طهران، وتحجيم قوتها السياسية، بل وحتى إنهاء الحكم الثيوقراطي فيها. ولكن القرارات السياسية لا يمكن اتخاذها طبقاً للأهواء والرغبات الذاتية، بل يجب تقييمها للأوضاع ومن ثم اتخاذ القرارات والمواقف الأنسب طبقاً لمعايير الربح والخسارة. حالياً نرى محاولات إغلاق مضيق هرمز من قبل إيران، وفي المقابل هناك تعزيزات أمريكية وغربية تقوم على كيفية التعامل مع هذه الحالة الاستثنائية التي يمكن أن تهدد أمن الطاقة في العالم من خلال تسويق بعض الخيارات على دول مجلس التعاون الخليجي. لسنا بحاجة للخيارات الغربية، وأعتقد أن دول الخليج لديها الكثير من الخيارات، فهي وإن كانت لديها مواقف متفاوتة بشأن طهران، وترغب في إنهاء ما تمثله من تهديد إقليمي في المنطقة، فإن خيار الحرب لن يكون في صالحها تماماً. السبب لا يتعلق بالميزان العسكري بين الطرفين، رغم أن إيران تتفوق على بلدان مجلس التعاون من حيث عدد القوة العسكرية، إلا أن بلدان المجلس نفسها تتفوق على طهران بالقدرات النوعية العسكرية. السبب هنا يتعلق بتجارب الحروب السابقة التي عاشتها بلدان مجلس التعاون الخليجي، وأدت لاحقاً إلى تداعيات خطيرة أكبر، بدءاً من حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران في الثمانينات، ثم حرب تحرير الكويت في التسعينات، وأخيراً الحرب ضد العراق في العقد الأول من الألفية الجديدة. ونلاحظ من هذه الحروب الثلاثة أن كلاً منها تم خلال عقد واحد من الزمن، بمعنى أن منطقة الخليج العربي تشهد حرباً كل عشر سنوات، وما دمنا في العقد الثاني من الألفية الجديدة فإن فرص واحتمالات الحرب تزداد شيئاً فشيئاً. إذا كانت القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تنظر إلى الحرب الإقليمية خياراً استراتيجياً لمواجهة طهران الآن أو حتى في المستقبل، فإن دول الخليج مازالت تذكر جيداً المبلغ الطائل الذي دفعته وقارب 36 مليار دولار عامي 1990 ـ 1991 في أول حرب تخوضها بشكل مباشر في تحالف دولي. فضلاً عن عشرات المليارات التي دفعت لاحقاً في شكل صفقات تسلح، أو تسهيلات اقتصادية وعسكرية. قد لا تتذكر دول الخليج هذه المبالغ التي مضى عليها أكثر من 21 عاماً، ولكنها حتماً تتذكر التجربة العراقية عندما أعلنت واشنطن ولندن امتلاك بغداد لأسلحة الدمار الشامل، وبعد مرور عشر سنوات على هذه الخدعة، يقرر الغرب إنهاء حكم صدام حسين هناك بحرب عسكرية شاملة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فماذا كانت النتيجة، هل نال العراق ديمقراطيته التي تتحكم فيها إيران ورجال الدين فيها؟ أم نال الإنسان العراقي حقوقه المكفولة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ خيارات الحرب ضد إيران ليست مجدية تماماً، ومن يركض وراء هذا الخيار فهو يعيش في الوهم المدفوع بالحماس. خصوصاً وأن هناك خيارات أقل كلفة بكثير، وأكثر فاعلية من الحرب التقليدية.