زهير قصيباتي


في بعض الديموقراطيات الأوروبية وتلك laquo;الناشئةraquo; في ما كان يُعرف بدول laquo;الفضاء السوفياتيraquo;، يتكرر مشهد ضرب نواب لزملائهم النواب، كلما بات الكلام بلا معنى، أو شطَّ الى البذاءة في الحوار. في بعض دول laquo;الربيع العربيraquo; بات العراك بالأيدي لغة laquo;متحضرةraquo; من الماضي، وأصبح الغالب ضرباً بالصواريخ وقذائف الطائرات، وفي الحالات الفردية كل مَن يقول لا، خائنٌ يستحق بترَ حياته، أو شيء من أعضائه.

في نهاية 2012، هل يمكن إذاً طرح السؤال عما وراء تراجع الأمل والفرح؟ هل معاناة المشرّد بلا مأوى في لندن هي كمحنة السوري المشرّد بين دول الجوار، أو الفلسطيني المنكوب في مخيم اليرموك؟

في العالم كله، يتراجع الفرح، أطفال قتلى الحرب في سورية كل يوم، وأطفال يقتلون برصاص المجانين وسكاكينهم من أميركا إلى الصين. ولعالمنا أيضاً حصة الأسد من المجانين.

مزيد من التقدم العلمي، مزيد من أسواق السلاح، وحشية أكثر لدى البشر، وملايين من الجياع، وعشرات بل مئات من الساسة الأميّين.

عشية رأس السنة، للعربي هداياه، و laquo;أكبرهاraquo; للسوري الشجاع في محنته: طهران تبشّره بأن لا حل له سوى الحل الإيراني!... بل كاد وزير الخارجية علي أكبر صالحي الذي تولى إرسال laquo;الهديةraquo;، يجعل الأخضر الإبراهيمي موفداً إيرانياً إلى دمشق، محمّلاً البنود الستة لتلك التسوية laquo;الوحيدةraquo;.

وعشية رأس السنة، اختار فقير بلا عمل في سيدي بوزيد التونسية، أن يقتفي خطى البوعزيزي، لكنه انتحر بصعقة كهرباء. لماذا يتراجع الأمل بعد رحيل الديكتاتور؟ ولكن، ألَم تحضّر laquo;النهضةraquo; هدية للمواطنين مشروع استيراد سيارات الـ laquo;تُكتكraquo; بمعدل عشرين ألفاً يوازي عشرين ألف فرصة عمل للسائقين؟

الجواب في سياق معركة التاكسي والـ laquo;تُكتكraquo; المشهورة في مصر، والمترنحة بخفة في شوارعها، يسوقه رئيس نقابة أصحاب التاكسي، متهماً حكومة حركة laquo;النهضةraquo; بإصدار قرار laquo;ديكتاتوريraquo;، وبالتحايل ضمناً لأن ستين ألف تونسي يعتاشون من القطاع. الأدهى في جواب رئيس النقابة معز السلامي، أنه إن لم يثر أزمة مع المصريين وحكم laquo;الإخوان المسلمينraquo;، قد يفتعلها بين laquo;النهضة و laquo;الإخوانraquo;، إذ اعتبر الـ laquo;تُكتكraquo; واحداً من laquo;مظاهر التخلفraquo;.

أما هدية laquo;الربيعraquo; للمصريين فهي ما يسميه بعضهم دستور ثلث الناخبين، وبذلك يكون امتناع الثلثين عن الاقتراع في الاستفتاء، أبهى مظاهر laquo;الديموقراطيةraquo;، فالمعارضون لـ laquo;دستور الإخوانraquo; قالوا كلمتهم بصمت... وقّعه الرئيس مرسي، وخسرت الأحزاب جولة، نتيجة المقاطعة.

من طهران، خاطب صالحي المعارضين السوريين: إما الحل الإيراني، وإما المزيد من القتل والدمار، والحسم ممنوع. في الأنبار هتفوا أمس laquo;إيران تحكم العراقraquo;... والمفارقة أن تستعير مفردات من دول laquo;الربيع العربيraquo;، فتصبح لـ laquo;البلطجيةraquo; في طهران سطوة تهز الأمن، في عمليات سلب و laquo;تشبيحraquo;. و laquo;التشبيحraquo; كما يراه كثيرون من أهل المنطقة، إحدى صفات ديبلوماسية إيرانية تمارس الضغوط والترهيب بـ laquo;أذرعٍraquo; في الخارج، وبالقوة النووية لـ laquo;ردعraquo; الجميع.

والحال أن العالم العربي في بدايات ربيع ثوراته، يترنح في باحة مثلثة الأضلاع، أطرافها تركيا وإيران وإسرائيل، بصرف النظر عن مدى تعاطف أنقرة مع قضايا المنطقة ndash; وعن مشاريع أردوغان ndash; وتعاطفها مع الشاكين من هيمنة laquo;التشبيحraquo; الإيراني عليها، تارة باسم فلسطين وأخرى باسم laquo;الأخوّة بين المسلمينraquo;.

بين laquo;البلطجةraquo; الإيرانية في الخليج، وأم اللصوص إسرائيل التي تبتلع الضفة الغربية وما بقي من حقوق للفلسطينيين، وتركيا الغارقة في حلم السلاطين، وحسابات الصراع المكشوف مع إيران على العراق، لا يبقى للعرب سوى وقفة مع العقل، للتفكير في إنقاذه من محنته. فحين يصبح بقاء أي نظام شرطاً لبقاء البشر، لا يبقى عقل ولا أمل... إلا بزواله.

وحين تصبح laquo;الميليشياتraquo; حصنَ أمانٍ لحماية مكتسبات الثورة، تتجدد المفاضلة العجيبة بين ديكتاتور بائد وديكتاتور ناهض