كتب: Lewis Mackenzie
كانت بعثة المراقبين التي أرسلتها جامعة الدول العربية مجرد مهزلة منذ البداية، بما أن الفريقين تابعا القتال ولم يُظهرا أي نية للتوقف، أصبح عمل البعثة مجرد تمرين استعراضي بالنسبة إلى قوات الأسد التي كانت ترافق المراقبين لمشاهدة وسماع ما أرادتهم أن يشاهدوه ويسمعوه.
بينما تركز العناوين الإخبارية حول العالم على أحداث سورية الأخيرة، تكثر التقارير والإحصاءات التي تطرحها قوى المعارضة التي تحارب الجيش السوري التابع للرئيس بشار الأسد، تستعمل تقارير المعارضة التي توردها وسائل الإعلام الاجتماعية مصطلحات قوية تضمن جذب الانتباه: مجزرة، إبادة جماعية، تعذيب، اغتصاب الأطفال، قطع الرؤوسhellip; غالباً ما تتفاوت أعداد القتلى في أي اعتداء وقد يصل هامش الخطأ إلى 10% لأن الإحصاءات تكون متحيزة وتهدف إلى كسب التعاطف ونشر الذعر بحسب الفريق الذي يوفر تلك الأرقام.
نظراً إلى استحالة التأكد من الأرقام الصحيحة، لا عجب أن التغطية الإعلامية في كل بلد (بما في ذلك كندا) تعكس انحيازاً واضحاً يتماشى مع موقف البلدان من سورية، لكن يجب التنبه إلى أن جميع التقارير الأولية التي تصدر من أي ساحة معركة تكون خاطئة، ويدرك الجنود هذا الواقع.
لا يعني ذلك أن الأسد لا يتعامل بوحشية مع قوى المعارضة، بل إنه يقود حملة عسكرية تعتمد على استعمال الأسلحة الثقيلة ولا مصلحة له في خوض معركة عادلة. وفق مقولة عسكرية روسية قديمة: ldquo;عند الإمكان من الأفضل استعمال المدفعية على إرسال الجنود إلى مواقع القتالrdquo;. تدرب عدد كبير من الضباط السوريين في روسيا وغالباً ما ينفذون هذه النصيحة للأسف. إذا كان الجيش السوري الحر يستعمل مراكز السكن المدنية كمخابئ له وقواعد لعملياته، فلا شك أنه سيتعرض للاعتداء حتى لو سقط معه ضحايا أبرياء.
لطالما كانت نزعة الغرب إلى تصنيف أطراف الصراعات المختلفة بين ldquo;طيبrdquo; وrdquo;شريرrdquo; متسرعة ومتهورة، تشكل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد 10% من سكان سورية فقط ويعتبر بعض السنّة المحليين (يمثلون 75% من الشعب) أن العلويين هم أقرب إلى الوثنيين. لكن وفق استطلاع رأي حديث من تمويل القيادة القطرية (تشهد العلاقات القطرية السورية الآن برودة غير مسبوقة)، تبين أن 55% من السوريين يدعمون الأسد.
في غضون ذلك، نشرت بعض الدول قوات خاصة لتدريب الجيش السوري الحر المعارِض. كذلك، تدفع بعض البلدان ثمن الأسلحة بينما تتولى بلدان أخرى عملية تسليمها إلى معاقل المعارضة. كما حصل في الصراع الليبي، يتجاهل الجميع الدعم العلني الذي عبّرت عنه قيادة ldquo;القاعدةrdquo; للانتفاضة والتقارير التي تشير إلى أن المقاتلين المتطرفين بدؤوا يتعاونون مع قوى المعارضة. كذلك، يتحدث البعض عن ضرورة الاعتراف بالمجلس الوطني السوري كحكومة شرعية للبلاد.
قد تكون هذه الفكرة صائبة كونها تتيح تحديد هوية الأشخاص الذين يتعامل معهم الغرب في المعارضة. كان يُفترض أن تتألف المعارضة الليبية من ldquo;الأطباء والمحامين ورجال الأعمالrdquo;، لكن سرعان ما تبين أن هذه الفكرة هي مجرد وهم لا يمتّ للواقع بِصلة. بالتالي، يجب توخي الحذر من الاصطفاف مع ldquo;القاعدةrdquo; وrdquo;الإخوان المسلمينrdquo; في سورية.
منذ ستة أسابيع، دخلت جامعة الدول العربية في هذه المعمعة حرصاً منها على إظهار نفوذها بعد أن تولى حلف الأطلسي معظم المسؤوليات والعمليات خلال الانتفاضة الليبية في السنة الماضية. دعت جامعة الدول العربية الأسد إلى التنحي وطالبت بفرض عقوبات محدودة وإرسال بعثة من المراقبين غير المسلحين.
شاركت كندا في بعثات مراقبة متعددة أكثر من أي بلد آخر في العالم، وكان معظمها بتفويض من الأمم المتحدة. لقد ترأستُ إحدى تلك البعثات شخصياً. يستطيع الجميع التمييز بين التدابير الفاعلة وتلك المحكومة بالفشل. لا يمكن أن تنجح بعثات المراقبة إلا إذا وافق المقاتلون على وقف القتال. يمكن أن يساهم المراقبون في تسهيل التواصل بين الفريقين (أو بين ثلاثة فرقاء أحياناً كما حصل في البلقان)، واستضافة مفاوضات وقف إطلاق النار، ومراقبة مواقع القوات العسكرية، وتنظيم عمليات تسليم المساعدات الإنسانية، وتنفيذ مهمات كثيرة أخرى، إذا كانت أطراف الصراع مستعدة للتعاون.
كانت بعثة المراقبين التي أرسلتها جامعة الدول العربية مجرد مهزلة منذ البداية. بما أن الفريقين تابعا القتال ولم يُظهرا أي نية للتوقف، أصبح عمل البعثة مجرد تمرين استعراضي بالنسبة إلى قوات الأسد التي كانت ترافق المراقبين لمشاهدة وسماع ما أرادتهم أن يشاهدوه ويسمعوه. فأدرك المراقبون بعد بضعة أيام أنهم خُدعوا للمشاركة في مهمّة محكومة بالفشل. في نهاية المطاف، استقال رئيس البعثة وعاد إلى بلده بينما قبعت بقية عناصر البعثة في أحد فنادق دمشق.
ما كانت الفكرة اللامعة التي خطرت على بال جامعة الدول العربية بعد ذلك؟ إقناع الأمم المتحدة بإرسال بعثة مشتركة وغير مسلحة من المراقبين! ألم يتنبّه أي مسؤول إلى مصير البعثة الأولى؟ ربما تنبه المسؤولون في روسيا والصين إلى ذلك، علماً أن هذين البلدين تعرضا لإدانة شديدة اللهجة بسبب استعمالهما حق النقض للاعتراض على قرار مجلس الأمن الذي كان ليسمح بتشكيل بعثة مشتركة. كان النقاد يعتبرون أن تمرير ذلك القرار سيمهّد لوقف أعمال القتل. هذا التحليل خاطئ! لن يساهم التهديد بتشكيل بعثة مراقبين جديدة، حتى لو كانت ldquo;مشتركةrdquo;، في وقف إطلاق النار على أرض الواقع. بل تشير التجارب السابقة إلى أن هذه الخطوة ستزيد وتيرة القتل لأن كل فريق سيحاول الاستيلاء على أكبر عدد ممكن من الأراضي عند التلويح باقتراب وقف إطلاق النار.
عملياً، يبدو أن الحل الوحيد للصراع السوري يمرّ عبر موسكو. عندما فشلت حملة القصف التي أطلقها حلف الأطلسي في إنهاء الصراع في كوسوفو منذ 13 عاماً، نجحت الدبلوماسية الروسية في إقناع الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش بسحب قوى الأمن التابعة له من المنطقة. لا يملك الأسد مؤيدين كثيرين في هذه الأيام، لذا من المفيد أن تعمد الحكومات الغربية (بما في ذلك كندا) إلى إعادة توجيه جهودها مع تجنب خيار استعمال القوة واللجوء إلى تقديم بعض الحوافز لإقناع فلاديمير بوتين بزيارة دمشق.
التعليقات