جهاد الخازن


محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك بدأت في 3/8/2011، وانتهت في 22/2/2012، وسيُعلَن الحكم بعد مئة يوم، وتحديداً في 2/6/2012، ولا أعرف هل سيكون براءة أو إدانة، وهل الإدانة سجناً أو إعداماً.

علمتني التجربة في العمل أن أتجنب إبداء تكهنات، ولعل تجربة واحدة تكفي، فقرب نهاية 1975 ذهبت الى لندن في إجازة أسبوع وأنا واثق، بحكم اتصالاتي على أعلى المستويات، أن الحرب الأهلية ستنتهي في أشهر قليلة، وهي استمرت 15 سنة، وإجازة الأسبوع أصبحت 36 سنة.

إذا كنت لا أملك الجرأة أن أتكهن بالحكم على رجل واحد هو حسني مبارك، فإنني لن أتكهن بمصير الثورات العربية، وإنما أراجع ما تحقق حتى اليوم، وأين يقف بعض هذه الثورات.

أعطي الثورة في تونس علامة نجاح عالية، والثورة في طرابلس علامة سقوط، وأجد أن الثورة في اليمن تقف على حافة النجاح بعد تغيير الحكم بمشاركة الرئيس علي عبدالله صالح. ثم هناك المغرب والأردن وعُمان، حيث لم تقم ثورات، وإنما حركات معارضة واحتجاج أدت الى إصلاحات واضحة، وكانت هناك محاولة انقلاب في البحرين بتحريض إيراني وانتهت بالفشل. أما الثورة السورية، فمستمرة، وكذلك القتل، ولا أقول اليوم سوى أنها لن تنتهي سريعاً.

أهم الثورات كان مسرحه مصر، وقد فاز الإخوان المسلمون بنصيب الأسد في انتخابات البرلمان ومجلس الشورى، ولا بد أن الفائز بالرئاسة سيكون حليفاً لهم أو محسوباً عليهم، ليضمن الفوز.

أتاحت لي زيارتي القاهرة قبل أيام أن أجتمع بقادة من الإخوان المسلمين والسياسيين المعروفين ومن شباب الثورة، ووجدت في ما سمعت أسباباً للتفاؤل بالمستقبل بددَتْ قلقي الطارف والتليد.

مصر أكبر الدول العربية وأهمها سياسياً، وهي حجر الزاوية في البنيان العربي حيث يلتقي مشرق الأمة بمغربها، ونجاح الثورة المصرية ضروري لتنجح الثورات العربية الأخرى في اتباع المثل المصري.

في غضون ذلك، أجد أسباباً كثيرة للتفاؤل ببعض البلدان العربية، والقلق من غيرها.

تونس شهدت انتخابات فاز فيها الإسلاميون، وهم متنورون يريدون بناء ديموقراطية إسلامية تتسع لجميع أطياف المجتمع، وأنا أصدقهم، رغم معرفتي أن في تونس أيضاً أقلية أصولية متطرفة سمعناها تدعو علناً الى حكم متشدد وتهاجم مدير محطة تلفزيون وتتحدى طلاب الجامعة.

في المقابل، ليبيا قامت بثورة انتهت بسقوط القذافي وقتله بعد تعذيبه بشكل فظيع. واليوم، هناك مجلس وطني انتقالي ضعيف، وشعب كل مواطن فيه قادر على حمل السلاح يحمله. وقرأت عن وجود 500 مليشيا وعن فساد هائل وجرائم وخطف وتعذيب، مع غياب شرطة قادرة أو حكم قانون واضح، فلا أفهم كيف يمكن إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المضروب في حزيران (يونيو) القادم.

السودان في مثل وضع ليبيا سوءاً، ولكن من دون ثورة، فالبلد قُسِّمَ في دولتين قبل سبعة أشهر أو نحوها، وهناك قتال أو تهديد بحرب بين الشمال والجنوب كل يوم، مع حدود طولها 1600 كيلومتر حولها أكثر نفط البلدين. والشمال افتقر بسرعة بعد الانفصال، لأن 75 في المئة من نفط البلاد في الجنوب، ولكن أنابيب النفط تتجه شمالاً لزيادة تعقيد الوضع.

وإذا كان ما سبق لا يكفي، فهناك مجازر بين بعض القبائل في الجنوب، والصحافي الاميركي البارز نيكولاس كريستوف زار جبال النوبة ورسم صورة قاتمة كئيبة عن الفقر والجوع واليأس هناك.

الكويت نجت من الثورات العربية ولكن لم تنجُ من آثارها السلبية، فانتخابات 2/2 الماضي كانت نكسة للديموقراطية مع فوز معارضين إسلاميين بعضهم أصولي متطرف. وكان البرلمان السابق شهد فوز أربع نساء، وجاءت الانتخابات الأخيرة بمشاركة 400 ألف ناخب و280 مرشحاً، فلم تفز أي امرأة، ولم تُعيَّن أي امرأة في الحكومة الجديدة التي شكلها الشيخ جابر الحمد الصباح.

اليوم لا أقول سوى أنه إذا كان الحكم على رجل واحد أرجئ مئة يوم، فإنني أختار أن أرجئ حكمي على الثورات العربية ألف يوم.