Jeffrey Goldberg


ين حاولت الإدارة الأميركية إثارة صدمة نظام الأسد عبر زيادة قوة تصريحاتها الرسمية وحدّة بيانات وزارة الخارجية، فهي عمدت بذلك إلى استنزاف مخزونها اللغوي في مرحلة مبكرة، ما جعل الولايات المتحدة عاجزة عن تقديم أي مساعدة رمزية للشعب السوري.
تُعتبر حملة القمع التي ينفذها الرئيس السوري بشار الأسد ضد مواطنيه من أكثر الأعمال دموية في مجال القمع السياسي في الشرق الأوسط منذ عهد والده وسلفه حافظ الأسد، الذي شن بدوره حملة ذبح ضد ناشطين معادين للنظام قبل ثلاثة عقود.
قُتل نحو 10 آلاف شخص خلال الانتفاضة السورية الراهنة، ويسجل كل يوم مقتل أو تعذيب عدد إضافي من المدنيين، بما في ذلك الأطفال.
يقول بعض النقاد إن الولايات المتحدة يجب أن تشعر بالخجل من نفسها، لأنها قررت عدم التدخل باسم الثوار والمعارضين السوريين.
لكنهم مخطئون. لم تساعد إدارة أوباما في تسليح الثوار ولم تنشئ ملاجئ آمنة للمعارضين المضطهدين، ولكنها قامت بأمر أهم بكثير. فقد منحت المعارضة السورية كلمات شديدة اللهجة لوصف مختلف الأعمال الوحشية التي يرتكبها الأسد.
شمل هجوم الإدارة الأميركية الشفهي والخطي غير المسبوق ضد نظام الأسد بعض النعوت اللاذعة التي لم تُستعمل من قبل لوصف أي خصم أميركي. ساعدت هذه الحملة السوريين على فهم أن اللغة الإنكليزية تتضمن مرادفات كثيرة لكلمة ldquo;مقززrdquo;.
عبارات صادمة
لكن يبدو أن أزمة مرتقبة تلوح في الأفق، فقد بدأ المخزون الأميركي من النعوت الحادة يفرغ سريعاً. يظن بعض العلماء اللغويين أن المعسكر الواقعي يدعو الآن إلى الامتناع عن استعمال الصيغ التي تدين ما يحصل. بحسب رأيهم، حين حاولت الإدارة الأميركية إثارة صدمة نظام الأسد عبر زيادة قوة تصريحاتها الرسمية وحدّة بيانات وزارة الخارجية، فهي عمدت بذلك إلى استنزاف مخزونها اللغوي في مرحلة مبكرة، ما جعل الولايات المتحدة عاجزة عن تقديم أي مساعدة رمزية للشعب السوري.
عندما بدأت الانتفاضة في السنة الماضية، كانت إدارة أوباما تتمنى بكل وضوح أن تساهم اللهجة الملطفة في إقناع الأسد بوقف قتل السوريين. وقد ارتكزت الإدارة على الصيغ التقليدية التي تعبر عن استيائها الدبلوماسي، فدعت سورية إلى ldquo;ضبط النفسrdquo; وrdquo;احترام حقوق المواطنينrdquo;.
لكن حين اتضح أن الانتقاد الخفيف لن يكبح الأسد، بدأت الإدارة تهاجم دمشق بعبارات لاذعة ومقاطع هجومية كاملة في بعض المناسبات.
في شهر أبريل من عام 2011، بعد فترة قصيرة على إقدام قوات الأمن السورية على قتل أكثر من 80 متظاهراً عزل، أعلن الرئيس باراك أوباما: ldquo;ان استعمال العنف بهذه الطريقة الشائنة لقمع الاحتجاجات يجب أن ينتهي فوراًrdquo;. فاتهم النظام السوري باستعمال تكتيك ldquo;وحشيrdquo; ضد المدنيين.
لكن لم يقتنع الأسد بتغيير مساره نتيجة هذه الكلمات الهجومية. فأُجبر المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، على تذكير الأسد والعالم بخطاب الرئيس العدائي.
قال كارني: ldquo;أنا واثق أنكم اطلعتم على تصريح الرئيس القوي يوم الجمعة حين أدان بأشد لهجة ممكنة استعمال القوة من جانب النظام السوري ضد المتظاهرين، وأشار إلى استعمال القوة بطريقة شائنة لقمع المحتجينrdquo;. وذكر أن البيت الأبيض لم يكتفِ بمعارضة الطريقة التي يتعامل بها النظام السوري مع مواطنيه، بل إنه عارضها بعبارات ldquo;شديدة اللهجةrdquo;.
لكن تجاهل الأسد محاولة كارني تضخيم اللهجة التي تحدث بها الرئيس.
بعد مرور بضعة أشهر، وبعد فترة قصيرة على قتل أكثر من 30 شخصاً في مدينة اللاذقية على يد النظام السوري، استعان أوباما مجدداً بمخزونه اللغوي واعتبر أن الشعب السوري ldquo;يواجه بكل شجاعة الوحشية البربرية التي يرتكبها النظامrdquo;. وأعلن أوباما أن تلك الاعتداءات الحاصلة كانت ldquo;مخزيةrdquo;.
لكن فوجئ البيت الأبيض عندما قرر الأسد عدم الهروب من دمشق.
سلوك laquo;شنيعraquo; وlaquo;شائنraquo;
بعد ذلك، عمدت الإدارة إلى زيادة حدة لهجتها. في الأشهر اللاحقة، قال كارني إن الحرب التي يواجهها الشعب السوري ldquo;شنيعةrdquo; وrdquo;غير مقبولةrdquo;.
لم يكن كارني المسؤول الوحيد الذي استعمل هذه اللهجة. بل أصبحت سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة، سوزان رايس، أبرز من يستعرض عظمة المخزون اللغوي الأميركي. في 28 نوفمبر، اتهمت رايس الأسد بارتكاب ldquo;أعمال وحشية شائنة وموثّقة حالياً بشكل جيدrdquo;، وذكرت أن ldquo;صبرrdquo; المجتمع الدولي ldquo;تبخّرrdquo;. في 7 فبراير، اعتبرت أن الأسد ldquo;تخطى جميع الحدودrdquo;.
في 9 فبراير، أعلنت رايس أن العالم ldquo;يرتعب لدى مشاهدة أعمال العنفrdquo; في سورية. في 23 فبراير، قالت إن النظام السوري ldquo;سرّع عملية قتل شعبهrdquo;، وأن العنف ldquo;مستمر بلا توقف منذ عام تقريباً وبوتيرة لا يقبلها العقلrdquo;. في 2 أبريل، تحدثت عن إقدام الأسد على ldquo;تكثيف أعمال العنفrdquo;. وأكدت أنها تتوقع من النظام السوري أن ينفذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه في الأمم المتحدة ldquo;من دون أي شروط أو إضافاتrdquo;. (من المعروف أن كلمة ldquo;إضافاتrdquo; تثير الرعب في قلوب الحكام الدكتاتوريين).
ثم أعلنت رايس لاحقاً أن ldquo;لحظة الحقيقة ستحل قريباً جداًrdquo;. يصعب أن نتخيل أن نظام الأسد قد يتحمّل هذا العقاب لفترة أطول!
لجأت الولايات المتحدة أيضاً إلى وسائل أخرى لمعاقبة نظام الأسد. على سبيل المثال، دعمت العقوبات التي تمنع زوجة الأسد، أسماء الأسد، من التبضع في أوروبا. كذلك، أيدت خطة الأمم المتحدة بنشر عشرات المراقبين غير المسلحين في سورية لمراقبة قوات الأسد وهي تقتل المدنيين وتدوين التقارير.
رغم ذلك، ثمة حاجة إلى المزيد من الخطوات. صحيح أن أوباما وفريقه قد يواجهان خطر تورط الولايات المتحدة أكثر في الصراع المعقد، إلا أنني أقترح أن يعززا حملتهما بالمزيد من النعوت والأوصاف، وخصوصاً كلمات مثل ldquo;قاسٍrdquo;، ldquo;عديم الرحمةrdquo;، ldquo;عديم الشفقةrdquo;، أو حتى ldquo;بربريrdquo;.
يعتقد جانبي المتفائل أن البيت الأبيض لن يضطر إلى الحفاظ على هذه التعزيزات فترة طويلة. لمَ؟ لأنه بعد أشهر من القول إن صبر المجتمع الدولي قد ldquo;نفدrdquo;، كتبت رايس على موقع ldquo;تويترrdquo; أن صبرنا قد ldquo;عيلrdquo;. وبما أن صبرنا نفد وعيل، يجب أن يفهم الأسد نفسه أن نهايته باتت وشيكة.
لكن رايس أعلنت في 24 أبريل الماضي أن الصبر نفد. وأعتقد أننا بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع سنسمع مجدداً أن صبر الولايات المتحدة ldquo;قد نفد بالكاملrdquo;. عندئذٍ، على الأسد أن يتوخى حقاً الحذر