محمد سلماوي

جاء خطاب الرئيس المنتخب محمد مرسي مطمئنا لكافة المواطنين من مسلمين ومسيحيين ورجال ونساء في الداخل والخارج بما في ذلك إسرائيلrlm;,rlm; لكن لم أسمع منه كلمة واجبة عن عروبة مصر ودورها الاقليمي أو عن القضية الفلسطينيةrlm;.


لقد بذل الرئيس المنتخب جهدا محمودا في التوجه لكل فئات الشعب بما في ذلك المهمشين منهم فبدأ بالنوبيين في الجنوب وأهل سيناء في الشرق ومرسي مطروح في غرب, ثم أخذ يذكر سكان مختلف محافظات مصر الواحدة تلو الأخري للتدليل علي أن أبناء مصر كلهم سواء ولست أعرف كيف أسعفته الذاكرة لتلاوة أسماء محافظات مصر الـ27, وكذلك مختلف فئات الشعب بما في ذلك سائقي التوكتوك فيما عدا المثقفين, كما حرص أيضا علي التوجه إلي الخارج وطمأنه القوي الدولية بشكل عام بما في ذلك إسرائيل علي أن مصر في عهده ستحترم التزاماتها الدولية في إشارة واضحة للاتفاقية المسماة باتفاقية السلام مع اسرائيل.
لقد جمع محمد مرسي في خطابه بين أسلوب خطباء المساجد في اختيار كلماته واستشهاداته, وهو أسلوب لاشك قريب إلي قلوب العامة خاصة إذا اقترن برسالة تبعث بالاطمئنان للجميع حيث ذكر بعض التعبيرات المستمدة من الأدبيات الدينية كالقول وليت عليكم أو الحديث عن أهلي وعشيرتي والتي لم يذكرها تفاخرا وإنما ذكرها مقرونة بالالتزام بالحكم بالعدل وإحقاق الحق.
ولقد كانت مرجعيات الخطاب كلها إسلامية والإسلام دين جعل من العدل قيمته العليا حتي أصبح له خاصة في ممارسات الصحابة المكانة العليا التي للتسامح في المسيحية علي سبيل المثال, لكني افتقدت ذكره للدستور الذي هو المرجعية في أي دولة ديموقراطية حديثة تستحق هذه التسمية, وإن كان يذكر للرئيس الإسلامي حديثه المباشر الصريح عن الدولة المدنية وذكره في أكثر من موضع في الخطاب للديموقراطية التي يقول البعض إن الاتجاهات الاسلامية تمارسها في العادة مرة واحدة للوصول إلي السلطة ثم تقلع بعد ذلك عن تلك البدعة لأن كل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
لذلك فاعتقادي أن خطاب الرئيس الجديد لمصر ـ رغم التحفظات ـ كان موفقا بشكل عام في توجهه للعامة في الداخل ولاشك أنه سيترك أثرا إيجابيا, لكن الحقيقة أن هذا الخطاب وهو الأول للرئيس الذي جاء بعد ولادة متعثرة لم يكن موجها للداخل فقط وإنما حرص من أعدوه من قبل اعلان النتيجة علي التوجه به للخارج أيضا, فقد جاء الخطاب شاملا ولم يكن خطابا عفويا من وحي الساعة, ولما كان خطابا تأسيسيا للرئيس الجديد في بداية جمهورية جديدة فقد كان لزاما عليه أن يتطرق إلي الخارج أيضا بحكم أن مصر دولة محورية في السياسة الدولية تقع عند التقاء قارات ثلاث فتؤثر في الأحداث الدولية وتتأثر بها أكثر من الكثير من دول العالم في أي من تلك القارات من سويسرا إلي أوكرانيا إلي بوركينا فاسو.
لكن دور مصر الخارجي والذي كان يجب التطرق إليه في هذا الخطاب لايقتصر بأي حال من الأحوال علي إتفاقياتها مع إسرائيل بل يمتد إلي أبعد من ذلك بكثير إلي العلاقات العضوية التي تربط مصر بمحيطها العربي والتي لاتستمد مصر قيادتها الاقليمية إلا منها, لقد فهم ذلك جيدا جمال عبدالناصر فصنع لمصر مجدا عربيا مازالت تجني ثماره حتي هذه اللحظة, وفهمه من قبله مصطفي النحاس ومن بعده أنور السادات الذي وظفه أفضل توظيف في حرب أكتوبر1973, ولم يفهمه حسني مبارك فكان تراجع مصر إقليميا ودوليا من بين أسباب قيام ثورة25 يناير.
وليس من قبيل الصدفة أن الثورة التي ذكرها مرسي وذكر شهداءها أكثر من مرة في خطابه, لم تغلق نفسها علي الشأن الداخلي وحده وإنما تطرقت إلي القضية الفلسطينية التي هي محور السياسة العربية لمصر فكانت المظاهرات التي نزلت إلي التحرير هي ذاتها التي امتدت إلي مقر السفارة الإسرائيلية تعلن غضبها من ممارسات الدولة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة وترفض سياسة الغطرسة الاسرائيلية المعتادة التي كان يغض عنها الطرف النظام السابق متنازلا عن دوره الطبيعي في التصدي لذلك.
لقد بحثت في خطاب رئيس مصر الجديد عن فلسطين التي زاد نزيف دمها الذكي منذ اندلاع الثورة فلم أجدها وبحثت عن عروبة مصر التي هي ركيزة سياستها الخارجية فلم أجدها, وهذا لايجوز ولا هو مقبول في خطاب تأسيسي للدولة التي سميت مصر لأن بها مصير الأمة العربية كلها, ويخطئ من يتصور أن مشاهدي هذا الخطاب كانوا الناخبين المصريين وحدهم والذين كاد الرئيس يذكرهم بالاسم في تعداده لمحافظات الجمهورية وقائمة فئاته وإنما أستطيع أن أوكد لرئيس جمهورية مصر العربية الجديد أن الوطن العربي كله كان يشاهد خطابه تماما مثل المصريين.