عبدالله بن بجاد العتيبي

كان واحداً من أهمّ شعارات جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; في الهجوم على الأنظمة المطاح بها في جمهوريات quot;الربيعquot; الأصولي العربي شعار رفض قانون الطوارئ، حيث تجتمع معها للهجوم عليه سياسات الدول الغربية المعلنة تجاه مفاهيم كالديموقراطية والدولة المدنية، وتأتلف معها مؤسسات المجتمع المدني والحقوقي الغربية، وتدعمها وتنشر رسالتها وسائل الإعلام الغربية، لأنّ الجميع اعتبروا قانون الطوارئ قانوناً استبدادياً وديكتاتورياً يجب إلغاؤه واللجوء للقوانين المدنية.

غير أنّ ما يجري اليوم بالعالم العربي، وبعد استيلاء الحركات quot;الإخوانيةquot; على السلطة في مصر وتونس، قامت باقتراف ما كانت تعتبره جريمةً، وسعت إلى تفعيل قانون الطوارئ تحت مظلّة أنّ الأوضاع المضطربة تتطلب قانوناً كهذا يردع الغوغاء والمخرّبين، لتعود لنقطة الصفر التي انطلقت منها في خلع الأنظمة السابقة ثم تتجه بنفسها لتصنع ما كانت تصنعه الأنظمة السابقة حذو القذّة بالقذّة.

في الزمن الأصولي، أي زمن الفوضى والغوغاء واختلال الأمن وجدت تنظيمات العنف الديني كتنظيمات quot;القاعدةquot; والتنظيمات الشبيهة له بيئتها الخصبة، التي لطالما وجدت فيها مأرزاً للتدريب والتخريب والتخطيط ونشر الدمار والقتل، من مثلث quot;القاعدةquot; الشهير بين الجزائر وموريتانيا ومالي وباتجاه الشرق وصولاً لليبيا وجنوباً للسودان وشرقاً لمصر، قد لا تصل العلاقات الجغرافية لتواصل مباشر وتنسيق تام ولكنّ انتقال الفكر وسهولة الدعم اللوجستي تزيد من انتعاش quot;القاعدةquot;، أضف لهذا أنّ السياقات الداخلية في لحظات الاضطراب لا تمنح وضوحاً في الرؤية للباحث والمتابع، وعليه أن يجهد ذهنه ليخرج بشيء يلامس المشهد ويقارب الحقيقة.

جماعات الإسلام السياسي الحاكمة، أصبحت في ورطة حقيقية، فهي من جهةٍ تراهن على كسب الدعم الغربي، الذي من دونه ستكون كالريشة في مهبّ الريح، وتقديم صورةٍ متحضرةٍ للعالم بأنّها جماعات يمكن التفاهم معها سياسياً، ومن جهة تخشى أن قمعها للمتطرفين والإرهابيين سيضرّ بتحالفاتها السياسية الداخلية الهشّة وكون الجماعات السلفية المنظّمة والسلمية قد دخلت معها في تحالف انتخابي وهي جماعات شعبيتها في صعود وازدياد، ومن هنا فإنها ستلجأ لعلمية معقدة لفرز الجماعات الأكثر تشدداً والتفريق التفصيلي بين تلك الجماعات وإقناع الداخل والخارج بالدخول معها في تلك التفاصيل، وهي مهمة، وإنّْ لم تنجح فيها فإنّها بالتأكيد ستشتري بها مزيداً من الوقت، وبخاصةٍ أنّ هذه الجماعات quot;الإخوانيةquot; الحاكمة لم تستطع بعد خلق آلية جديدةٍ ومتكاملة تخدمها في أيّ انتخابات قادمة، ومعلومٌ أنّ الديموقراطية كآلية وعمليات اقتراع يمكن تفصيلها حسب المراد من قبل السلطة وما يجري منذ أمد بروسيا الاتحادية مجرد مثال.

في هذا السياق يمكن قراءة التناقض في الخطاب quot;الإخوانيquot; الحاكم وذلك من جهتين: التبرير السياسي والشرعنة الدينية لخيارات quot;الإخوانquot; في السلطة. وقانون الطوارئ مجرد مثالٍ، فها هي تبرّر سياسياً وتشرعن دينياً استخدام قانون الطوارئ ضدّ جماعات العنف في سيناء مصر وفي تونس، حيث أعلن وزير العدل المصري أحمد مكّي quot;ألا حلّ للإنفلات الأمني بمصر إلا بالطوارئquot; هذا في التبرير السياسي، أم الشرعنة الدينية ففي تصريحٍ آخر له قال: quot;ربنا وضع أحكاماً للطوارئ في القرآن الكريمquot; حوار مع المصري اليوم.

وتونس quot;النهضةquot; تفعل الأمر ذاته، فيوم الخميس الماضي ومنعاً لتكرار مظاهرات، قد تشهد عنفاً دعت لها جماعات إسلاميةٌ أخرى حظرت حكومة quot;النهضةquot; الإخوانية التظاهرات والتجمعات، وأعلنت منع التجوال في بعض المدن، بما فيها بعض مناطق العاصمة، وطبّقت ذلك بقوّة أمنيةٍ استثنائية تركزت على حماية السفارات الأميركية والفرنسية والغربية عموماً، وخرج راشد الغنّوشي يبرّر سياسياً ويشرعن دينياً وقال: quot;تصدّت لهم الدولة وقتلت واعتقلتquot;، لقد أصبح القتل والاعتقال تحت قانون الطوارئ مشروعاً دينياً ولا يثير شيئاً لدى الناشطين الحقوقين الذي تفشّوا مع quot;الربيعquot; الأصولي، مع أنّهم لم يفتأوا يهاجمون بعض دول الخليج كالإمارات والبحرين التي اتخذت إجراءتٍ قانونيةٍ ضدّ بعض مخالفي القانون، ما يعني أنّهم ناشطون فعلاً ولكن quot;الريموت كنترولquot; بيد الإخوان.

عاد الغنوشي عن بعض تلك التصريحات وقدّم تفسيراتٍ متناقضةٍ كما هي عادته، وتهجّم على السلفيين ثمّ عاد للتفريق بين تيارات السلفية.

التناقضات الكبرى التي تندرج تحت مسمّى السلفية يعرفها الباحثون، وسيجد quot;الإخوانquot; الحاكمون عناءً على الأرض في رسم الخطّ الفاصل لتحالفاتهم السياسية مع بعض التيارات والجماعات السلفية وبين بعض تيارات السلفية الجهادية وquot;القاعدةquot;، ويبدو أنّ الهدنة بين الطرفين لن تأخذ وقتاً طويلاً، وقد حاول الرئيس المصري أن يحيّد هذه الجماعات بإطلاق رموزها بالجملة من السجون واستقطابهم من المهاجر بغض النظر عن حجم الجرائم التي ارتكبوها.

ولكن، كيف تنظر هذه الجماعات لحكم quot;الإخوانquot;؟ إنّ نظرة السلفية الجهادية صارمةٌ آيديولوجياً، ومن السهل ومن دون شواهد واقعيةٍ أن يعرف الباحث أنّ هذه الجماعات ترى أنّ حكم quot;الإخوانquot; حكم كفري، فهو بنظرها لا يطبّق الشريعة بل يحكم بالقوانين الوضعية، وهو يحمي عدو الأمة quot;إسرائيلquot; ويلتزم بالمحافظة على معاهدة السلام، وهذا كفر وردة في خطابها، ثمّ ها هي رموزه الحاكمة تعلن الولاء للغرب والبراءة من المجاهدين، ولا تفوّت فرصةً إلا وألقت بنفسها في أحضان الغرب الصليبي المحارب للإسلام، وقد أصبح هؤلاء quot;الإخوانيونquot; الجدد عملاء بيد الصهيونية والصليبية العالمية في الحرب على الإسلام، وصار مرسي والغنوشي عصا الغرب التي يضرب بها المؤمنين المجاهدين.

ربما كان يجدر بـquot;الإخوانquot; القول بأن quot;هذه بضاعتنا ردّت إليناquot;، فالمفردات والمفاهيم والأساليب كلّها مألوفة لدى quot;الإخوانquot; فهم منبعها الأصيل، ولكنّها عادت اليوم سهماً في صدورهم لا لأن السلفية الجهادية تغيّرت أو جاءت بجديدٍ بل لأنّ quot;الإخوانquot; هم الذين تغيّروا لمصلحة السلطة، وفتنتها دون تغيير خطابهم، ودون نشر وتسويق هذا التغيير إنْ طرأ.

بدأ quot;الإخوانquot; في التخبط بين خطاب الماضي وثوابته وبين علاقات الحاضر وتعقيدات الواقع، بين شعارات المعارضة وخطابها وروحها وبين مسؤوليات السلطة، وقد بدأ كثير من المثقفين العرب الذين غرّهم quot;الربيعquot; الأصولي ينتبهون لأهمية الاستقرار السياسي، وأهمية فرض هيبة الدولة وبسط الأمن.

أخيراً، كتب كاتب هذه السطور بهذه الصحيفة في 21 فبراير 2011 أي بعد تنحّي الرئيس السابق حسني مبارك بعشرة أيامٍ زاعماً حينها بأنّ quot;الإخوان المسلمين حين يعلنون أنّهم كحملٍ وديعٍ لا يريدون سلطةً ولا رئاسةً ولا دولةً، فإنّ هذا لا يعني إلاّ شيئاً واحداً وهو أنّهم متفرّغون للعمل الجادّ والمنظّم على الأرض للسيطرة على المشهد برمتهquot;.