علي بن حسن التواتي
من أجمل ما قرأت في استقبال العام الميلادي الجديد 2013 مقالة لـ(سايمون تيسدال) وهو أحد مساعدي رئيس تحرير (الجارديان) وكاتب لأحد أهم أعمدة الشؤون الدولية في العالم. وفي تلك المقالة يقارن الكاتب بين عامي 1913 و2013. ففي 2013 كانت بريطانيا أعظم وأغنى إمبراطورية عرفها التاريخ من حيث المساحة التي قدرت بربع الكرة الأرضية وعدد السكان الذين شكلوا خمس سكان العالم. ورغم النجاحات التي حققتها بريطانيا في ذلك العام إلا ان الوهن بدأ يسري في أوصالها بسبب المسألة الايرلندية التي أحدثت انقساما كبيرا في مجلسي العموم واللوردات البريطانيين. وفي ذلك العام اعتقل غاندي في جنوب أفريقيا بسبب قيادته لإضراب للعمال الهنود في مواجهة الاحتلال البريطاني. وفي ذلك العام حدثت أسوأ كارثة انفجار منجم في تاريخ بريطانيا وأودت بحياة 439 شخصا نتيجة للضغوط الإنتاجية بسبب حاجة الأسطول البريطاني للمزيد من الوقود، كما توفي في ذلك العام الكابتن سكوت وهو يحاول الوصول للقطب الشمالي.
أما على الجانب الآخر من الأطلسي فيشير الكاتب إلى أن تصاعد التحدي الامريكي الاقتصادي والعسكري لأوروبا بدا واضحا سنة 1913 خاصة بعد إطلاق هنري فورد لأول سيارة على عجلات تتحرك بقوة دفع ميكانيكي ذاتي، وانتخاب ودرو ولسون الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة الذي أعلن بأن بلاده لن تشارك في أي حرب ضد أي دولة في العالم تحسبا للحرب التي تجمعت سحب شؤمها في ذلك العام فوق أوربا وما لبثت أن اندلعت في العام الذي يليه 1914 بالتزامن مع نجاح الثورة البلشفية في روسيا في الوصول إلى السلطة. وخلال الحرب وبعدها ظهر الرئيس الأمريكي لأول مرة على الساحة الدولية بمظهر الضامن والوسيط للسلام.
وفي أتون المعارك الضارية تم سفك دماء ملايين الشباب ما تسبب في خروج المرأة للعمل وسقوط كافة التحفظات التقليدية على المرأة وحقوقها بما في ذلك حقها في الانتخاب والمشاركة في الحياة السياسية الذي حرمت منه في أوربا على مدى عصور وأجيال.
وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى أفرزت ثلاثة أنظمة جديدة هي (الرأسمالية والاشتراكية والفاشية). وكانت هذه الأنظمة المتناقضة سببا كافيا لتفجر الحرب الثانية بعد عشرين عاما لتشهد انحسار مجد بريطانيا وتحولها إلى قوة عالمية ثانوية مفسحة المجال للولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بوراثة دورها العالمي كقوة مهيمنة.
ويرى الكاتب أن الصين تنطلق اليوم بقوة لتجاوز الولايات المتحدة اقتصاديا خاصة أنها هي التي تدفع عن أمريكا ديونها حاليا، وعادت للنمو مجددا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في حين أن أوربا ما زالت تحقق معدلات نمو سالبة.
ولا أجد من خلال قراءتي للأحداث غير مشاركة الكاتب توقعاته في أن سنة 2013 ستكون علامة فارقة في التأسيس لقرن آسيوي تقوده الصين خاصة في ضوء تصاعد الخلافات المحلية الأمريكية التي تعصف بصناعة القرار الفدرالي في مجلسي الشيوخ والنواب، وتعيق الإصلاحات الاقتصادية، وإعادة بناء ما دمرته الأعاصير والاستغلال السيئ للبيئة، وتدفع بالبلاد نحو هاوية لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
أما أوربا فيمكن اختصار الحديث عنها بإمدادات كهرباء (باريس) عاصمة النور الفرنسية التي ستضطر للتعتيم ابتداء من عام 2013 بإطفاء أضواء محلاتها التجارية من الساعة الواحدة إلى السابعة صباحا عملا بتقنين حكومي جديد لاستهلاك الطاقة..
ولذلك علينا في مطلع العام الجديد أن نعيد حساباتنا ونعيد توزيع محفظة استثماراتنا الوطنية بتخفيفها أوربيا وأمريكيا وترجيحها محليا وصينيا وآسيويا. فنحن اليوم على مفترق طرق فإما أن نعرف الطريق الصحيح لنمشي في وسط الطريق الرئيسية السالكة أو تتوه بنا الدروب فنمضي في شعاب ووديان فرعية تنتهي بنا على الهامش، المكان الطبيعي لكل من يخطئ في اختيار الطريق.
التعليقات