فؤاد الهاشم
هذه مقالات قديمة للزميل الكاتب فؤاد الهاشم مضى على العديد منها اكثر من 25 عاما، لكنها تبدو وكأنها تتعلق بأمور حدثت في الشهر الماضي، وسوف تنشر تباعا في يومي الخميس والجمعة حيث يرتاح زميلنا laquo;الهاشمraquo; من لهاث الكتابة اليومية.
المستقبل العربي!
لا نستطيع ndash; نحن ابناء الشعب العربي في كل مكان ndash; ان نتخيل قمة عربية دون laquo;عبدالناصرraquo;، كان للرجل حضور رهيب لا يمكن تجاهله، وعندما كانت كاميرات التلفزيون تنقل ndash; عبر نشرات الاخبار ndash; احداث تلك القمم، لم يكن احد يستطيع ان يبتعد لحظة واحدة عن الشاشة كي لا تفوته لحظة دخول laquo;جمال عبدالناصرraquo; الى القاعة، عملاق في كل شيء، في تاريخه، في نضاله، في مبادئه، في شعبه، بل وحتى في.. قامته! وعندما كان يدعو الى قمة عربية، كانت الاذاعات الاجنبية ووكالات الانباء تقول: انعقدت القمة كاملة.. laquo;ولم يتخلف احدraquo;!
كنت في بيروت في مطلع حزيران من عام 1974 ndash; وقبيل اشتعال الحرب الاهلية بأقل من عام ndash; توقفت بسيارتي قرب اول الطريق المؤدي الى الجبل، حيث تجمعت عربات باعة الكرز والبرتقال والبطيخ، يومها كان الباعة ينادون على السائقين بلهجة لبنانية laquo;موحدةraquo; لا شرقية ولا غربية، laquo;حبة كرزة باردةraquo; كانت تعني الكثير لخليجي قادم من laquo;الجنات التي تجري من تحتها الانارraquo; في شبه الجزيرة العربية.. فـlaquo;دعستraquo; على الفرامل.. ونزلت!
بالقرب من هذا التجمع، laquo;شبه مقهىraquo; على ناصية الطريق، بضعة كراسي قش laquo;دون ظهرraquo;، وامرأة عجوز امام ابريق شاي يكفي لحملة حجاج بكاملها، و.. رجل يرتدي شروالا وlaquo;طربوشraquo; احمر، laquo;يبربرraquo; من ارجيلة، خلفة مباشرة لفت انتباهي صورة لـlaquo;الزعيم الراحل جمال عبدالناصرraquo;!
قلت له ndash; وبطريقة المداعبة الاستفزازية - laquo;شو الحكاية يا بيك؟ هالزلمة وصل لهون كمانraquo;؟ فجاء رده بأسرع مما كنت اتصور، بل وحتى قبل ان يخرج من رئتيه بقية دخان الارجيلة.. laquo;هالزلمة ما في متله، شفت شوللي عملوه الشباب لابنهraquo;؟ - laquo;كان يقصد ذلك الاستقبال الجماهيري الرهيب الذي حظي به خالد نجل الزعيم الراحل خلال زيارته للعاصمة اللبنانية ضمن فريق لكرة السلة تابع لجامعة القاهرة عام 1972raquo; - نسيت حبة الكرز البارد ndash; طلبت من العجوز شايا laquo;بيغلي غليraquo;.. وجلست!
برد الشاي ndash; بعد ان نسيته ndash; والرجل يتحدث بلهجته الجبلية عن ذلك اليوم، ثم ضحك وقال: laquo;بيكفي انه هالرجال ndash; واشار الى الصورة ndash; لما بدو يعمل قمة عربية بيقول للكل.. تعوا بييجوا، في حدا يسترجي يقول لأraquo;!، نظر الى الصورة مرة اخرى وتنهد laquo;شو بدنا نعد مصايب راح تجينا من بعدك تنعدraquo;!
و.. مرت اربعة عشر عاما، على حوار تم في laquo;شبه مقهىraquo; على اول طريق الجبل، واختفى الكرز الذي كنا نخلط بينه وبين خدود بنات الضيعة، واستمرأ شباب الاوزاعي وبير العبد طعم الدم.
ولم يعد تراب لبنان ينتج الا.. الفستق الايراني laquo;المالحraquo;، وغدت laquo;الارزةraquo; وقودا لانضاج طعام laquo;الكوشيرraquo;.
ألهذه النتيجة كانوا يحاربون عبدالناصر؟!
التعليقات