سليم نصار

أذاعت إحدى المحطات العربية، يوم السبت الماضي، المسرحية التي أنتجها ومثلها دريد لحّام تحت عنوان: كاسك يا وطن! وفي حوار افتراضي أجراه دريد مع والده الشهيد عبر الهاتف، يبدأ الحديث بالسؤال عن مصير الوحدة العربية.

يجيبه الابن بلهجة ساخرة قائلاً: laquo;الوحدة العربية بألف خير... اليمن صار مشروع يمنَيْن... ولبنان بعد الحرب الأهلية بيصير أربع لبناناتraquo;.

ويأتي صوت الوالد الميت، ليسأل مستغرباً: laquo;وشو الغاية يا ابني من مضاعفة عدد الدول العربية؟raquo;. ويرد عليه الابن: laquo;ولو يا أبي!... الهدف هو زيادة عدد الدول العربية في الأمم المتحدةraquo;.

وفي نهاية الحوار المضحك - المبكي، يختتم الشهيد الحديث بالسؤال: laquo;عاوز شي من عندي يا ابني؟raquo;. وبعد صمت طويل يصرخ دريد: laquo;عاوز يا أبي شويّة كرامة!raquo;.

المهم، أن المسرحية التي عُرِضَت في دمشق مرات عدة خلال السبعينات والثمانينات، يمكن أن تصلح للعرض في أي مكان وزمان، لأن الأوضاع المزرية في العالم العربي لم تتبدل ولم تتغير.

صحيح أن لبنان الرسمي حرص على إعلان سياسة النأي بالنفس خوفاً من تسلل laquo;الربيع العربيraquo; إلى فضائه... ولكن الصحيح أيضاًَ أن مشاركة laquo;حزب اللهraquo; في القتال دفاعاً عن نظام الأسد جعلت الوطن الصغير يحمل تبعات الصراع المفتوح بين السنّة والشيعة. كما يحمل بالتالي مسؤولية مليون ومئتي ألف نازح لجأوا إليه عبر حدود طويلة خالية من الرقابة والحماية.

وكان من الطبيعي أن يتعرض لبنان لموجات التدخل الإيراني الذي سعى إلى ملء فراغ النفوذ السنّي، تماماً مثلما فعل في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. وقد جيَّر هذه المهمة لنوري المالكي الذي التزم تطبيق مبادئ laquo;حزب الدعوةraquo;، الأمر الذي جعل من طهران سلطة خفية تحكم بغداد بالوكالة.

يعترف المسؤولون الإيرانيون بأن الحاجة الاستراتيجية تدفعهم إلى استكمال مشروعهم عبر العراق وسورية وصولاً إلى laquo;حزب اللهraquo; في لبنان. لهذا السبب ينظرون إلى دمشق كحلقة مركزية في سياستهم الإقليمية. ولهذا السبب أيضاً، يستخدمون نفوذهم عبر الحرس الثوري وشبكات الاستخبارات الناشطة من أجل ردع إسرائيل عن تنفيذ تهديدها. وفي ضوء هذه الاعتبارات، تخشى طهران من انهيار الحكم الحليف في دمشق، لأن حدوث مثل هذه الصدمة السياسية سيخلق الفوضى المحتملة لزعزعة نفوذها في العراق والأردن ولبنان.

ويرى المراقبون أن مثل هذا التصور الاستراتيجي، كان الدافع الحقيقي لتثبيت المشروع الإيراني في لبنان، ولو أدى ذلك إلى استخدام العنف وسيلة لمنع المعترضين.

والشاهد على ذلك سلسلة العمليات الانتحارية التي بدأت بتفجير السفارة الأميركية في بيروت الغربية نيسان (أبريل) 1982. واعترف وزير الخارجية جورج شولتز بأن واشنطن خسرت ثلاثين من خيرة ضباط وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) الذين اجتمعوا برئاسة مسؤول الشرق الأوسط بوب إيمز. وفي نهاية التحقيق، قررت إدارة الرئيس ريغان نقل موقع السفارة إلى منطقة عوكر بعيداً من الأماكن المأهولة.

عقب تفجير السفارتين الأميركية والعراقية، توالت العمليات الانتحارية. وفي 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1983، تم تفجير مقر المارينز قرب مطار بيروت حيث قُتِلَ 250 عسكرياً أميركياً. كذلك جرى تفجير مقر الوحدة الفرنسية التي كانت تعمل في إطار القوة المتعددة الجنسية (أميركية - فرنسية - بريطانية - إيطالية).

وكانت هذه القوات قد عملت على مساعدة السلطات اللبنانية على ضبط الأمن وإعادة بناء المؤسسات الرسمية عقب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. ومن أجل صدِّ ذلك الاجتياح وُلِدَ laquo;حزب اللهraquo; من رحم حركة laquo;أملraquo;.

الرعاية الإيرانية المتواصلة، إضافة إلى الدعم العسكري واللوجيستي والمالي، حققت لـ laquo;حزب اللهraquo; قفزة نوعية أمنت له الانتشار السريع بين أبناء الطائفة الشيعية. كذلك ساهمت قاعدة التدريب التي أنشأتها قوات الحرس الثوري في بعلبك، على اجتذاب الشبان الذين انخرطوا في صفوف الحزب.

وفي 16 شباط (فبراير) 1985 أصدر الحزب بياناً جاء فيه: laquo;إن حزب الله ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيهraquo;. وتعرض الحزب في حينه لانتقاد بعض المرجعيات مثل الإمام محمد مهدي شمس الدين، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي انتقد مبدأ الولاء الخارجي كونه يحدد الخط السياسي والفكري والعقائدي للحزب.

ومن هذه الخلفية تنطلق اليوم أسئلة صريحة تتعلق بدور الحزب في احتمال ملء الفراغ الذي سيحصل بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وبعد الإخفاق في اتفاق النواب على تشكيل حكومة شرعية تنال ثقة الأكثرية.

وقد بالغت جماعة 14 آذار في التعبير عن قلقها من محاولة تحقيق مشروع الدولة الإسلامية، ومن الاستيلاء على الحكم بالقوة. علماً أن السيد حسن نصرالله طمأن سائر المذاهب عبر تصريح قال فيه: laquo;نحن لا نطرح فكرة الدولة الإسلامية في لبنان على طريقة طالبان في أفغانستان. ذلك أن الدولة الإسلامية حاضرة على مستوى الفكر السياسي. أما على مستوى البرنامج، فإن خصوصيات المجتمع اللبناني لا تساعد على تحقيقها. فالدولة الإسلامية المنشودة ينبغي أن تكون نابعة من إرادة شعبية عارمة. ونحن لا نستطيع إقامتها الآن كونها في حاجة إلى حمايةraquo;.

ويتبيَّن من هذا الطرح أن مشروع الدولة الإسلامية في لبنان - أو في جزء من أرض لبنان - هو مشروع مؤجل في حسابات laquo;حزب اللهraquo; بانتظار تحقق شروطه.

ومن المؤكد أن الإرادة الشعبية اللبنانية لن تطالب بقيام دولة إسلامية، إلا إذا فُرِضَت بقوة السلاح، مثلما تشير تجربة نوري المالكي في العراق.

مع دنو موعد انعقاد المحكمة الدولية في لاهاي للكشف عن هويات قتلة رفيق الحريري والإشارة إلى 22 تصفية أخرى، جرى اغتيال السفير والوزير السابق محمد شطح. وكانت المحكمة قد نشرت أسماء خمسة أشخاص، ينتمون إلى laquo;حزب اللهraquo;، اتهمتهم بتنفيذ عملية الاغتيال. وقد طرحت عملية اغتيال شطح أسئلة مختلفة تتعلق بأهمية الدور الذي لعبه المقتول كي يستحق هذا العقاب الدموي!

كتب عدد من المراسلين الأجانب في بيروت أن محمد شطح نشر على laquo;تويترraquo; رأيه الصريح في laquo;حزب اللهraquo;. ومن ضمن ما نشره قبل دقائق معدودة من تصفيته :raquo;إن الحزب يمارس الضغط على شؤون الأمن والسياسة في لبنان بهدف السيطرة الكاملة، تماماً مثلما فعلت سورية قبل 15 سنة.raquo;

وكان من المنطقي استبعاد الارتباط بين ما نُشِر على laquo;تويترraquo; وموعد التصفية، خصوصاً أن قادة laquo;حزب اللهraquo; تعودوا على سماع هذه الاتهامات كل يوم. فضلاً عن أن عملية التخطيط والتنفيذ تحتاج إلى وقت طويل.

ومع استبعاد هذه الفرضية ظهرت في لقاء بكركي دوافع أكثر ارتباطاً بقرار التصفية.

قبل فترة تتجاوز الأسبوعين، دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى مأدبة عشاء حضرها الرئيس فؤاد السنيورة ومستشار 14 آذار محمد شطح، وعدد من نواب كتلة المستقبل.

وأعرب البطريرك عن انزعاجه من تداعيات الحرب الأهلية السورية على لبنان. كذلك تحدث عن مخاوفه من عجز القيادات السياسية عن تشكيل حكومة... ومن سلبيات الأزمة المتوقعة في حال بقي منصب الرئاسة الأولى فارغاً بعد 25 أيار (مايو).

في نهاية العشاء، اتفق الحاضرون على إرسال كتاب إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني يعددون فيه نتائج الخلل السياسي الداخلي الذي أحدثه تدخل laquo;حزب اللهraquo; في الشأن السوري. كذلك تم الاتفاق على إرسال نسخة من الكتاب إلى أمينَيْ عام الأمم المتحدة والجامعة العربية. ولما تبلورت الفكرة طُلِبَ من محمد شطح، بصفته المستشار السياسي للرئيس سعد الحريري، تدبيج نص الكتاب.

واقترحت الرسالة الاتفاق على خطوات عملية، على أن يجرى إطلاقها خلال اجتماع خاص لمجلس الأمن. وقد جاء في أهم بنودها:

1 - التزام معلن من جميع البلدان، بما في ذلك إيران، بتحييد لبنان على النحو المتفق عليه في إعلان بعبدا.

2 - إنهاء كل المشاركات المسلحة من جانب الجماعات والأحزاب اللبنانية، بما في ذلك laquo;حزب اللهraquo;، في الصراع السوري.

3 - إيجاد رقابة فعالة من جانب الجيش اللبناني وقوات الأمن على الحدود مع سورية، بدعم من الأمم المتحدة إذا لزم الأمر، على النحو المسموح به بموجب القرار 1701.

وفي هذا السياق نشر موقع صحيفة laquo;وول ستريت جورنالraquo; الأميركية رسالة محمد شطح إلى روحاني، مع ملاحظة من إدارة التحرير تقول: laquo;اغتيل شطح في سيارة مفخخة يوم الجمعة، قبل أن يتمكن من جمع تواقيع النواب في البرلمان اللبناني، قبل إرسالها إلى روحانيraquo;.

ورأى المراقبون في توقيت اغتيال شطح إجهاضاً للمحاولات التي يقوم بها الرئيس ميشال سليمان من أجل تشكيل حكومة جديدة تتولى استكمال المسؤولية عن نجيب ميقاتي... وتنهي انتظار تمام سلام في مهمة التكليف. وقد احتلت هذه الجريمة حيزاً واسعاً من الاهتمام في المحادثات السعودية - الفرنسية.

وكشف الرئيس سليمان عن الدور التحضيري الذي لعبه قبل القمة التي عقدها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مع العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز. وكان من نتائجها المباشرة دعم الجيش النظامي اللبناني بقيمة 3 بلايين دولار لتقوية قدراته الدفاعية، ولشراء أسلحة من الدولة الفرنسية.

ويبدو أن تداعيات مؤتمر جنيف، وما أظهره الرئيس أوباما من تراجع وضعف أمام تحديات إيران وروسيا، كل هذه الأمور جددت الدور الذي قام به الملك فيصل بن عبدالعزيز مع الرئيس شارل ديغول.

وكان ديغول أعلن عقب حرب 1967 عن حظر بيع السلاح لإسرائيل. وقد لقي في حينه ذلك الموقف الجريء استحسان الملك فيصل الذي طالب العرب بضرورة تشجيعه ومكافأته من طريق شراء الأسلحة من فرنسا. وهذا ما دعا إليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

بل إن هذا ما رحب به الرئيس سليمان لاقتناعه بأن إعادة التوازن مع الجيش غير النظامي هي الضمانة الوحيدة لمنع لبنان من التحول إلى عراق آخر...