بيروت - وليد شقير

قال مصدر سياسي مراقب للمواقف من الطبخة الحكومية وتداخلها مع الأحداث الأمنية الدموية التي تتنقل بين المناطق، وسط مخاوف من استمرار التفجيرات وانفتاح الوضع اللبناني على التعقيدات الحاصلة على الصعيد الإقليمي، إن جميع الفرقاء باتوا في مأزق نتيجة المواقف المتقابلة والشروط المتبادلة في شأن الصيغ المطروحة حول الحكومة العتيدة.

وأوضح المصدر أن اكتشاف الفرقاء كافة أنهم أمام المأزق نتيجة الرفض القاطع لفريق 14 آذار صيغة الـ9-9-6 للحكومة، والرفض الجازم لفريق 8 آذار لصيغة الحكومة الحيادية التي كان ينوي رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تأليفها تمام سلام الإعلان عنها منتصف الأسبوع المقبل، وتلويح بعض وسائل إعلامه بإسقاطها من دون إيصالها إلى البرلمان، دفعا كلاً من رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس laquo;جبهة النضال الوطنيraquo; النيابية وليد جنبلاط إلى التفتيش عن مخارج لهذا المأزق.

وذكرت معلومات غير شخصية سياسية مواكبة للاتصالات حول الصيغة الحكومية، أن بري وجنبلاط تواصلا خلال الأيام القليلة الماضية لتفادي الوصول إلى طريق مسدود إذا أعلن سليمان وسلام تشكيلة الحكومة الحيادية، فأوفد الأول للثاني معاونه وزير الصحة علي حسن خليل أول من أمس فور عودته من تركيا، لتبادل الأفكار حول القيام بمسعى جديد. وتناول جنبلاط إثرها العشاء الى مائدة الرئيس سلام ليل أول من أمس لدعوته إلى التريث في إعلان الحكومة الحيادية، خوفاً من أن تعمق الانقسام على أن تُبذل جهود من أجل التوصل إلى صيغة توافقية. وكان سلام التقى الخميس رئيس كتلة laquo;المستقبلraquo; رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي كان كرر له تأييد الكتلة و14 آذار الصيغة الحيادية.

وعلمت laquo;الحياةraquo; أن ما سمعه سلام من جنبلاط وما سبق أن بلغه من الرئيس بري دفعه إلى القول إننا laquo;انتظرنا 9 أشهر كي نصل إلى حلحلة الموقف ولنصل إلى توافقات تجنب البلد الانقسام حول الحكومة ولم ينتج شيء عن حال الانتظار التي مارسناهاraquo;. وقالت مصادر مطلعة إن سلام أكد لمن يعنيهم الأمر ولجنبلاط أنه مع ذلك ليس ضد أخذ بضعة أيام، لمحاولة إيجاد مخارج معينة، ريثما يعود الرئيس سليمان من السفر (اليوم إذا لم يكن قد عاد ليل أمس). وذكرت معطيات هذه المصادر أن قبول سلام بإعطاء فسحة من الوقت تكون قصيرة لا يعني تخليه عن فكرة الحكومة الحيادية.

قلق بري ومخاوف الراعي

وأوضحت المصادر المواكبة للاستحقاق الحكومي أن الاتصالات التي يتولاها بري وجنبلاط تسبق عودة الرئيس سليمان الذي ربط البعض التريث في إعلان الحكومة الحيادية يومين أو ثلاثة بتفاجئه بموقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي تراجع عن دعم laquo;الحياديةraquo; ودعا إلى التفكير بصيغة أخرى خوفاً من تأثير الانقسام الذي قد تسببه laquo;الحياديةraquo; في الاستحقاق الرئاسي كما صرح الرئيس بري. ويقول العارفون إن البطريرك بعث إلى الرئيس بري يستفسر منه ما يعنيه في هذا الشأن فجاءه الجواب إنه يتخوف من أن يقود الخلاف على الحكومة الحيادية بعد أن تعلن، إلى فراغ في الرئاسة الأولى بعد 25 أيار (مايو) المقبل، لأنه سيكون صعباً التوافق على الرئاسة بعد أن يوقع سليمان مراسيم الحكومة الحيادية. وقد اعتبر الراعي استناداً إلى رأي بعض المطارنة الموارنة والمستشارين، أن هناك خطراً من الحكومة الحيادية على الموقع الأول للموارنة في السلطة السياسية، ما دفعه إلى إبلاغ بعض محيط الرئيس سليمان بوجوب التريث في إصدار مراسيمها، وأطلق عظة الأحد الماضي مناشداً الرئيس laquo;ألا يشطر الرئاسةraquo;. وتضيف المصادر: هذا كان سبباً أساسياً من أسباب التريث في إعلان ولادة laquo;الحياديةraquo;، يضاف إلى السبب الآخر الذي هو انفجار الضاحية الانتحاري، واللذين أطلقا تحرك بري وجنبلاط.

وتشير أوساط مطلعة على موقف بري أن قلقه على الاستحقاق الرئاسي، من الخلاف على الحكومة الحيادية ورغبته في تجنب الخطوات التي يلوّح بها بعض أوساط laquo;حزب اللهraquo; باللجوء إلى الشارع وعدم الاكتفاء باعتماد الأساليب الدستورية وتوجسه من اضطراره إلى اعتماد سابقة تقضي بعدم إيصال الحكومة المرفوضة إلى البرلمان لإسقاطها مع جنبلاط وقوى 8 آذار تحت قبته، بحجة أنه لن يحدد موعداً لمناقشة بيان وزاري لحكومة لا يعتبرها دستورية لأنها تألفت من دون الأخذ برأي القوى السياسية التي تمثل الطائفة الشيعية، (وهو أمر يشكل سابقة في رأيه أيضاً) كلها أسباب استدعت منه السعي إلى البحث عن صيغ بديلة.

الاعتراض بالدستور أو في الشارع؟

وفي تقدير الأوساط نفسها أن قوى 8 آذار وقوى 14 آذار في مأزق. والأولى على رغم تلويح بعض أوساطها بعدم تسليم الوزارات لوزراء الحكومة الحيادية، فإنها حتى الآن لم تلقَ تجاوباً مع هكذا خطوة من وزراء laquo;التيار الوطني الحرraquo; الذين يفضلون مواجهة الحيادية بالخطوات الدستورية عبر إسقاطها في البرلمان ولا يمانعون تسليم الوزارات، على رغم أن أوساطاً قيادية في التيار تترك الباب مفتوحاً على إمكان الاعتراض على الحكومة عبر التظاهر السلمي في الشارع كونه أمراً يكفل الدستور الحق بممارسته، من دون أن يعني ذلك أن قراراً اتخذ في هذا الشأن.

وإذ أبقى قادة 8 آذار مسألة إسقاط الحكومة الحيادية في الشارع خاضعة للغموض، إما نتيجة عدم التوافق على الخطوات في هذا الصدد، أو تقصد هذا الغموض لإبقائه عنصر ضغط على سليمان وسلام وجنبلاط وقوى 8 آذار، فإن الأوساط المتابعة لموقف بري تقول إنه يقف بكثير من التوجس أمام التداعيات المفترضة لكل ما يجرى تداوله، فإذا جرى التصرف مع الحكومة الجديدة الحيادية على أنها غير دستورية، فإن الأوضاع غير المسبوقة التي سيواجهها هو كرئيس للبرلمان، وسائر الطبقة السياسية تعد ولا تحصى، بدءاً بما يعتبره سابقة تشكيل حكومة من دون التفاهم مع مكون أساسي في البلد، وبالتالي اعتبارها غير دستورية، وسابقة اعتبارها غير مخولة تسلم صلاحيات الرئاسة الأولى في حال الفراغ، حيث إن الحكومة الحالية المستقيلة تكون ذهبت إلى البيت، ووصولاً إلى سابقة أن رئيس الجمهورية يكون غادر منصبه بعد 25 أيار، بحيث لا يعود ممكناً تشكيل حكومة جديدة ينص الدستور على أن يوقع مراسيمها مكان الحكومة التي تكون قوى 8 آذار اعتبرتها غير دستورية (الحيادية برئاسة سلام) وصولاً إلى عدم وجود سلطة تنفيذية ولا رئاسة للدعوة إلى انتخابات نيابية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل عند انتهاء الولاية الممدة للبرلمان.

وتضيف الأوساط المتابعة لموقف بري و8 آذار في هذا المجال أن على قادتها أن يلتفتوا في الوقت نفسه إلى أن المجتمع الدولي سيتعاطى مع حكومة يصدرها سليمان وسلام على أنها دستورية، إذ إن الدول الكبرى لن تدخل في سجال تطلقه 8 آذار حول الجانب الدستور، وبالتالي ستتعاطى معها على أنها الحكومة الموجودة وأن الاعتراض عليها laquo;سياسيraquo;، ما يجعل عدم تسليم الوزارات من جانب بعض الأطراف عملاً يخرق الدستور. وبالتالي ستتعاطى مع هذه الحكومة الجديدة في نهاية المطاف.

وفي رأي الأوساط التي تعتقد أن الجميع في مأزق أن هذا يشمل قوى 14 آذار التي وضعت شرطين هما انسحاب laquo;حزب اللهraquo; من سورية وقبوله بإعلان بعبدا للموافقة على الاشتراك معه في حكومة واحدة، ثم مناقشة موضوع سلاحه. وفضلاً عن أن تأييدها laquo;الحياديةraquo; سيقابله رفض جنبلاط مع 8 آذار لها، وبالتالي سيقوم تنازع دستوري على حقها في تسلم الرئاسة. وفي حال الأخذ بالمخارج التي يقال إن بري وجنبلاط يسعيان إليها، فإن 14 آذار ستكون أمام المأزق أيضاً، لأن من الأفكار المطروحة أن ينطلق تشكيل الحكومة بالعودة إلى صيغة 8-8-8، على أن يتم اختيار laquo;وزيرين ملكraquo; من حصة الوسطيين، يتقاسمهما فريقا 8 و14 آذار بحيث يحصل كل منهما على الثلث المعطّل مواربة، فيرضي ذلك 8 آذار، وتطبيق مبدأ المداورة في شكل كامل على الحقائب في شكل يرضي 14 آذار. وتضيف هذه الأوساط: في صيغة كهذه إذا قبل بها سليمان وسلام يكونان أعطيا الفريقين وأخذا منهما، ولكن قوى 14 آذار سترفضها استناداً إلى ما أعلنته عن شرطيها انسحاب laquo;حزب اللهraquo; من سورية والتزامه إعلان بعبدا بتحييد لبنان، وستنفذ ما أبلغته إلى الرئيسين بأنها ستنسحب من هكذا حكومة التي أيضاً قد لا تحصل على الثقة نتيجة انسحاب فريق أساسي منها فتتحوّل هي إلى حكومة تصريف أعمال بدلاً من الحكومة الحيادية. فهل تقبل 14 آذار أن تشارك في هذه الحال في حكومة تصريف الأعمال؟