علي إبراهيم

المعلومات عن كلمة laquo;فاهيتاraquo; أنها نوع من الطعام يشتهر به المطبخ المكسيكي، ويشبه قليلا الشاورما اللبنانية، لكنه في مصر اسم فكاهي لشخصية وهمية عبارة عن عروسة كرتونية لشخصية أرملة تستخدم في وسائل الإعلام الاجتماعي تحت اسم laquo;أبلة فاهيتاraquo;، في إصدار تعليقات اجتماعية وسياسية، وهو ما يوحي بأن مخترعها قد يكون له ولع بالطعام المكسيكي.

تحولت laquo;الفاهيتاraquo; المصرية إلى ما يشبه مسرح عرائس سياسيا الأسبوع الماضي، ومادة خصبة للتقارير الصحافية ليست المصرية فقط ولكن الأجنبية أيضا، وجدتها مادة طريفة أن تتحول دمية كرتونية إلى شخصية محل اتهامات باستغلالها في الإرهاب بعد بلاغ إلى النائب العام المصري بأنه يجري استخدامها في إعلان تجاري في توجيهات مشفرة بعمليات إرهابية، ووفقا للقانون المصري فإن النائب العام مضطر إلى إحالة أي بلاغ من أي شخص إلى التحقيق بصرف النظر عن جديته من عدمه.

الإعلام معذور في الاهتمام بالقضية، فهي قصة تجمع بين الإثارة والظرف، ولا بد أنها تثير شهية القراء، ولكن يصعب القول إنها وجدت كثيرين يصدقونها حتى لو أخذت حيزا من التفكير، ولم تلبث القصة كما ظهرت سريعا كالشهاب وأخذت حيزا كبيرا من النقاش والأخذ والرد، أن اختفت أيضا سريعا، بعد أن شعر الناس بأنها لا تستحق التوقف أمامها كثيرا.

هناك قصص متداولة كثيرة في هذه المرحلة فيها قدر كبير من الخيال أو الاستنتاج التخيلي لكنها لا تستند إلى أرجل قوية من الحقيقة، ومن الخطأ شغل الرأي العام بها لأن مفعولها السلبي هو أنها عنصر تشتيت عن القضايا الحقيقية، وتخلق حالة عدم ثقة واسترابة في المجتمع في حالة ينطبق عليها المثل المصري الذي يقول laquo;اللي (الذي) تلسعه الشوربة ينفخ في الزباديraquo;. والمعروف أنه في مصر تعبر كلمة laquo;الزباديraquo; عما يطلق عليه في دول مثل سوريا ولبنان laquo;اللبنraquo;.

ولا نستطيع لوم laquo;المستريبينraquo;، أو laquo;الملسوعينraquo; من الحساء الساخن، أو ما تطلق عليه بعض التقارير الغربية laquo;حالةraquo;، لأن ما حدث من تطورات بعد 25 يناير (كانون الثاني) 2011، جعل كثيرين يعيدون التفكير في أشياء صدقوها، أو اعتقدوا أنها صحيحة، بدءا من قفز تنظيم الإخوان على السلطة في لحظة كان فيها المجتمع وقواه السياسية ومؤسساته في حالة ارتباك، ويحاول رسم خارطة طريق توافقية، فإذا به يصطدم بقوة سياسية سعت بشتى الحيل إلى توجيه الدفة نحو السير في خارطة سياسية تغلب آيديولوجيتها في ظل عدم توافق مجتمعي، وفي أحيان ضد رفض مجتمعي صريح لم يكن مرتاحا لطريقة إدارة شؤون الدولة خلال سنة حكم الإخوان بعقلية جماعة وليس رجال دولة، وذلك وسط محاولة استئثار بالسلطة، ووهم بأن هناك فئة مختارة وشعبا يجب أن يطيعها، وكانت النتيجة ما رأيناه أن خرج الناس في الشوارع ضدها.

لكن ينبغي التأكيد على أن الترويج لمثل هذه الحالة من الشك أو البحث عن مؤامرات مخفية هو أمر غير صحي للعقل الجماعي، ويشتت الانتباه والقدرة على التركيز على ما هو ضروري للتقدم إلى الأمام في العملية السياسية، وفي إنجاز خارطة الطريق التي اتفق عليها للخروج من الحالة الانتقالية، وفي ذلك هناك مسؤولية على النخبة السياسية والإعلامية في التركيز على القضايا الجادة، ولفت انتباه الرأي العام لها، والارتقاء بالخطاب السياسي، فذلك فيه فائدة للجميع.

ومن دون شك فإن إنجاز أول خطوة من خارطة الطريق، وهي الاستفتاء المقبل على مسودة الدستور، سيخلق ديناميكية جديدة، خاصة إذا جرى ذلك بإقبال جماهيري على التصويت، وينشر أجواء ثقة وأمل بقدرة المجتمع على تجاوز أي مراحل صعبة يواجهها مستقبلا، فليس هناك حل سوى دوران العجلة، والدفع في طريق استكمال خارطة الطريق، لأن المراوحة في المكان من دون تقدم انتحار.