عبدالله ناصر العتيبي

يقول السيد عمرو موسى، وزير خارجية مصر الأسبق وأمين جامعة الدول العربية الأسبق والمرشح الرئاسي السابق في المرحلة ما بعد الحسينية وما قبل المرسيّة والرئيس الحالي للجنة تعديل الدستور في مصر، إن laquo;السيسي ليس ديكتاتوراً وإنما هو حاكم وطني أثبت وطنيته في ٣٠ يونيو وما بعد ذلك ومنع حرباً أهليةraquo;. وأضاف موسى أن laquo;السيسي عندما سينتخب سيكون هناك إطار الدستور الذي يعمل من خلاله، إذ سيلتزم بفترة رئاسية قوامها أربعة أعوام، ويحق له الترشح لولاية ثانية فقطraquo;. وقلل من مخاوف صناعة ديكتاتور جديد، مشيراً إلى أن laquo;الدستور الجديد حصن البلاد من حصول ذلكraquo;.

وتوقع موسى في الحوار الصحافي الذي أجراه معه الزميل محمد صلاح أن يترشح وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية laquo;خضوعاً للرغبة الشعبيةraquo;، مؤكداً أن صوته laquo;سيكون للرجلraquo;. وقلل من ردود الفعل الغربية في حال وصول السيسي إلى الرئاسة، قائلاً: laquo;فليقل الغرب ما يريد وليقل الشرق ما يريد والإخوان أيضاً... الشعب يقول عايز السيسي ويجب أن نرضخ لهraquo;. لكنه شدد على ضرورة إجراء laquo;انتخابات نزيهة وتحت رقابة دولية حتى لا يشكك فيها أحدraquo;، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي أرسل بعثة مراقبين لعملية الاقتراع على الدستور، إضافة إلى وجود المجتمع المدني المصري والصحافة العالمية.

ولي في مواجهة هذا الاجتزاء الصغير من الحوار المطول أربع وقفات تدور حول laquo;الحاكم الوطنيraquo;، وlaquo;الحرب الأهليةraquo;، وlaquo;الدستور الجديد حصن البلاد من صناعة دكتاتور جديدraquo; وlaquo;الشعب يقول عايز السيسي...raquo;.

الوقفة الأولى تتعلق بمفردة laquo;الحاكمraquo; التي أطلقها موسى على الجنرال السيسي، فإذا كان موسى الذي يعتبر أحد الأوصياء الرئيسين على مستقبل مصر من خلال رئاسته للجنة تعديل الدستور يقول عن وزير الدفاع إنه laquo;حاكم وطنيraquo;، فهذه مشكلة عويصة في الأفهام يجب تداركها بسرعة وتعديلها بما يتناسب والصيغة المدنية للحكم التي يحلم بها المصريون! السيسي laquo;رجل وطنيraquo; ركب موجة الشعب الثائر ووضع له موطئ قدم في التاريخ المصري في الفترة من ٣٠ يونيو وحتى أربعة يوليو، ثم عاد لمكانه وزيراً سيادياً في حكومة يرأسها حازم الببلاوي وترفع تقاريرها إلى الرئيس عدلي منصور. هو منقذ تاريخي ليس بفضل قوته وجرأته ومبادرته وصلابة شخصيته فقط، بل بدعم وغطاء laquo;الجيش المصريraquo; الذي يُعد laquo;سلطة خامسةraquo; في مصر بفضل ديكتاتورية الزعماء الثلاثة الذين جاءوا بعد ثورة ١٩٥٢. هو منقذ تاريخي laquo;لحظيraquo; جاء للموقف صاخباً وذهب هادئاً، وليس حاكماً وطنياً laquo;دائماًraquo; يُدير السياسات الخارجية والاستراتيجيات الداخلية.

ليست هناك مشكلة في أن يتغنى رجل الشارع بالجنرال السيسي ويعده laquo;حاكماً وطنياًraquo; بامتياز، فهو بحسب laquo;العقلية العربية المتعودة على القلب والانقلابraquo; الذي أزاح laquo;التخبط المرسيraquo; من على صدر ملايين المصريين، لكن أن يتحدث رجل بحجم عمرو موسى بطريقة عاطفية وأحكام مطلقة في مرحلة تتطلب تغليب العقلانية والمراجعة النقدية، ويقر بحاكمية laquo;السيسيraquo; في مرحلة انتقالية تسير تحت غطاء رئاسة موقتة باسم الرئيس عدلي منصور، فهذا ما لا يمكن قبوله فضلاً عن التعاطي معه!

الوقفة الثانية تتناول مسألة laquo;الحرب الأهليةraquo; التي يؤمن موسى أن laquo;الجنرال السيسيraquo; قضى عليها في المهد بخطابه التاريخي للرئيس مرسي في الـ30 من يونيو. كلام موسى هنا عن وجود laquo;فريقين شعبيينraquo; كان من الممكن أن يتماسّا بالسلاح لولا الوقفة التاريخية للسيسي، يدل على سوء فهم في تصور الموقف، ومن ثم سوء فهم في الحكم عليه! موسى يظن أنه بهذا الاستدلال يضيف بعض النقاط الإيجابية في سلة السيسي، بينما هو في الحقيقة يسلبه نقاطاً إيجابية ويزين سجله بعدد من النقاط السلبية، فالحرب الأهلية لا تكون إلا بين فريقين قادرين على خوضها، وهذا يعني أن laquo;المعارضةraquo; بأطيافها كافة، قد حشدت أنصارها لانتزاع السلطة بقوة السلاح من laquo;الإخوانraquo; الذين فازوا بالحكم من خلال انتخابات ديموقراطية نزيهة.

أظن أن الحديث عن حدوث حرب أهلية وشيكة بين فريقين شعبيين لولا تدخل الجنرال السيسي، يصب في مصلحة laquo;الإخوانraquo; أكثر من غيرهم، ففي هذا تقسيم لخيارات الشعب وتوجهاته بشكل جمعي (وهذه هي الديموقراطية) ومحاولة انتزاع الحكم من نخبة سياسية جاءت بدعم طيف شعبي غالب عدداً (وهذه هي الديكتاتورية)، ومقاومة هذا الطيف العريض لهذه المحاولات المسلحة (وهذا ما أسميه الحرب الأهلية)! بينما الحقيقة تقول إن هذا الطيف الشعبي الغالب عدداً (laquo;إخوانraquo; وأنتي- حسنيين وجياع) يرفض مشاركة الآخرين له في الحكم والمعارضة على حد سواء، بحجة أنه هو الوحيد المخول بتفسير أوامر الله للأرضيين، وما ثورة الشعب الثانية وركوب السيسي لها إلا محاولة شعبية لإرجاع التنوع والتمايز والاختلاف للعملية السياسية المصرية.

أما الوقفة الثالثة فعند laquo;الدستور الذي حصن البلاد من صناعة ديكتاتور جديدraquo;. مرسي يعرف وأعضاء لجنة الدستور يعرفون أن الدساتير ليست سوى laquo;قناني نواياraquo; يملؤها الحاكم بما شاء، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً. فالدستور الذي سار عليه جمال عبدالناصر كان laquo;قنينة نواياraquo; ظن من صنعها أنها تحصن البلاد من صناعة ديكتاتور، وبرغم ذلك كان عبدالناصر ديكتاتوراً laquo;وطنياً بحكم الدستورraquo;، وما زال البعض - للأسف - من مؤيدي الثورة الثانية، يرفع صورته مع الجنرال السيسي جنباً إلى جنب.

الدستور خلاصة اتفاق شعبي، وليس قاعدة لبناء غير موجود. على عمرو موسى الخبير الديبلوماسي دائماً والناشط الدستوري أحياناً أن يعرف ذلك.

والوقفة الرابعة عند جملته المفتوحة laquo;الشعب يقول عايز السيسي...raquo;، فالأجدر برجل مؤتمن على مستقبل مصر أن يسير في مسلك laquo;العقلانية والنقديةraquo; كما أشرت، ولا يطلق الأحكام الجزافية التي لم تخضع للقياس من قبل، حتى وإن كان متأكداً من صدق كلامه ١٠٠ في المئة بناء على الملاحظة المجردة. موسى يريد laquo;السيسيraquo; حاكماً وطنياً، وهناك الملايين غيره يحلمون باليوم الذي يأتي بالسيسي حاكماً، لكن هذا لا يعني أن يتخلى الرجل الطيب عمرو موسى مرة أخرى عن موقعه الرسمي المحكوم بمسطرة المراجعة والنقد ويقول أنا laquo;عايز السيسي حاكم وطني بحكم الدستور الجديد وإلا حعلنها حرب أهليةraquo;!!