سليمان تقي الدين

تشكيل حكومة لبنانية يتعرض إلى هبّة باردة وهبّة ساخنة . تفاؤل وتشاؤم مصحوبان بالشروط والشروط المضادة والتهديد والتهويل، إما بالقوة من جهة، وإما بالفراغ الذي ينشر الفوضى .
بدأ العد العكسي اقتراباَ من الاستحقاقات الدستورية وأبرزها انتخابات رئاسة الجمهورية . يقال إن تشكيل حكومة جامعة يسهل انتخابات الرئاسة ويقال كذلك إنها ضرورة لملء الفراغ الرئاسي الذي سيأتي .
من الواضح أن انتخابات الرئاسة الأولى ليست سهلة وليس هناك من مؤشرات لحصولها حيث المناصفة في المجلس النيابي وعدم حصول أي فريق على أكثرية الثلثين لوجود النصاب لجلسة الانتخاب . أما التوافقات الخارجية التي تساهم أو تقرر هذه الانتخابات فليست موجودة . ورهان البعض على رجحان دور محور معين لا أساس له حتى الآن .
فإذا تم الاتفاق على الحكومة لن يتم الاتفاق على الرئاسة الأولى . المبادرات لتشكيل الحكومة والوساطات كلها تقريباً داخلية، وتهدف إلى تفادي الصدام نتيجة استبعاد الأطراف الحزبيين . آخر الصيغ المتداولة أوجدت مخرجاً لذلك، لكنها لم تطرح القضايا السياسية الخلافية . فهل جلوس الأطراف المتصارعة في حكومة واحدة يؤدي إلى تذليل الصعوبات الأخرى ومنها البيان الوزاري أو توزيع المقاعد والتوازنات؟ في الغالب لم تصل الأمور إلى حد التوافق على وظيفة الحكومة ودورها . ومن الصعب quot;تدوير الزواياquot; في مسائل أساسية من بينها الاتفاق على اعتبار quot;وثيقة بعبداquot; التي أقرت منذ سنة بصدد تحييد لبنان عن النزاعات الإقليمية هي منطلق البيان الوزاري، إلا إذا كان الأمر مجرد تنازل شكلي لأهداف مرحلية يعقبه تصاعد الخلاف وشلّ الحكومة من داخلها .


على أي حال إن الأزمة اللبنانية تسير على إيقاع الأزمة السورية . وهي تتأثر بقوة بما سيظهر من quot;مؤتمر جنيف2quot; إذا انعقد وما النتائج السياسية والأمنية له . بل إن اقتراب المعارك من عمق الحدود بين البلدين ينذر بمضاعفات أمنية لبنانية، هذا إذا لم نلحظ احتمالات العمليات التفجيرية في العمق اللبناني التي يحذر منها الكثيرون في الداخل والخارج . فهل تكون الصيغة الحكومية اللبنانية مجرد واجهة تحافظ على شكل وشرعية السلطة بينما الصراع يظل مفتوحاً كما هو حال العراق وسوريا؟ الأرجح أن هذه هي الحقيقة . المسألة هي مصير الأنظمة في quot;قوس الأزماتquot; من لبنان إلى العراق وما هي التوازنات النهائية التي ستنعقد عليها التسويات . هناك تطور نوعي في أشكال الصراع غير مسبوق تتجلى في إقامة سلطات للفئات المسلحة منفصلة تماماً عن سلطة الدولة في العراق (الأنبار والرمادي) وفي شمالي سوريا . وهناك نمو ملحوظ للجماعة الإسلامية المتطرفة في شمالي لبنان وتصاعد في خطابها السياسي على حساب التمثيل التقليدي النيابي . فليست الحكومات والتوافقات quot;النيابيةquot; كافية لتغيير المشهد اللبناني الحالي .
يضاف طبعاً إلى الخلاف اللبناني ما قد يظهر مع بدء المحاكمات في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أو حتى ما قد يحمله أي حدث أمني من إعادة النزاع إلى المربع الأول من الاتهامات المتبادلة . فالمحكمة الدولية التي تسير أعمالها منذ سنوات باستقلال عن الأجواء السياسية الداخلية قد تطرح معطيات تفرض على الحكومة اللبنانية التعامل معها وليس هناك من إمكان للتفاهم حولها .
هذه الصورة غير المتفائلة يعززها الصراع الإقليمي الذي يأخذ بعداً حاداً اليوم أكثر من ذي قبل، خاصة أن مرحلة الاختبار في النوايا بين الغرب وإيران ما زالت مستمرة وأن ملفات مثل اليمن وفلسطين فضلاً عن العراق وسوريا ما زالت عالقة .
لذلك يبدو الحديث عن احتمالات الاستقرار اللبناني وفق الرغبة الدولية والإقليمية ليست مضمونة . بل إن حكومة لبنانية ولو كانت جامعة باتت عاجزة عن تغيير وجهة الأزمة الداخلية أمام فيض الخطاب السياسي الخلافي، وأمام الضعف المستمر لمؤسسات الدولة والأمنية منها بنوع خاص وعدم حصول توافقات كبرى وعميقة .