صالح القلاب

سيعود جون كيري إلى المنطقة مرة أخرى وربما خلال أيام قليلة، رغم laquo;بهدلةraquo; الإسرائيليين له، ورغم أن بنيامين نتنياهو أرسل إليه رسالته بعد عودته من جولته الأخيرة قال له فيها: laquo;إذا كنت ستأتي بالورقة السابقة فعليك ألا تأتيraquo;. فهناك اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين رغم خلافاتهما المستعصية الكثيرة على أن الولايات المتحدة جادة هذه المرة وعلى أنها مصرة على إحداث ولو ثقب صغير في جدار أزمة الشرق الأوسط الأصم، لكن الاختلاف هو على ما الذي سيعود به وزير الخارجية الأميركي، وهل أنه سيبقى يدور في الحلقة التي بقي يدور فيها خلال جولاته السابقة؟ أم أنه سيأتي بما يشعل ولو بصيص ضوء خافت في نهاية النفق المظلم؟!

رغم كل ما جرى الترويج له ورغم المخاوف التي أثارها، وبخاصة في الأردن، بعض الذين يسعون إلى وضع أنفسهم في الدائرة الضوئية ورغم الاتهامات التي أطلقها الناطقون باسم حركة حماس، وما أكثرهم، فإن ما بات مؤكدا هو أن كيري في جولته العاشرة الماضية لم يأتِ إلا بمجرد تصورات عامة بالنسبة للقضايا الرئيسة المطروحة: laquo;قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية (العربية) وحل قضية اللاجئين الفلسطينيينraquo;، وأيضا وبالطبع مسألة الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية ومسألة أمن إسرائيل التي من المعروف أنها تأتي في مقدمة الهموم الأميركية المتعلقة بالأوضاع غير المستقرة في الشرق الأوسط.

لقد أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، لطمأنة الذين أبدوا تخوفات من أن الفلسطينيين قد يكونون منخرطين في مفاوضات سرية جانبية من وراء ظهورهم، ومن بين هؤلاء بعض الأوساط الأردنية، أكد أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري لم يأتِ بأي جديد، وأنه لم يطرح لا مبادرة شاملة ومتكاملة ولا حتى خريطة طريق واضحة، وأنه لم يتحدث إلا عن laquo;إطارraquo; للمفاوضات اللاحقة المفترضة، وأن كل ما قام به هو مجرد عملية جس نبض للطرفين من المفترض أن يستند إليها للعودة القريبة في المرة المقبلة بتطورات أكثر تحديدا وأكثر وضوحا.

وهنا وللمزيد من الإيضاح، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن هناك فرقا كبيرا بين خريطة الطريق وlaquo;الإطارraquo; التفاوضي، فخريطة الطريق تعني أن هناك اتفاقا فلسطينيا - إسرائيليا على كل القضايا المطروحة العالقة، وأنه لم يبق إلا الاتفاق على الخطوات التنفيذية مثل كيف سيكون البدء، وكيف ستكون النهاية. أما laquo;الإطارraquo; فهو أن راعي المفاوضات، الذي هو وزير الخارجية الأميركي، حتى يتمكن من معرفة ما يريده كل طرف، فإنه وقبل المباشرة بمعالجة القضايا الرئيسة للبدء بعملية التفاوض يريد أن يعرف وعلى وجه التحديد ما نقاط الاتفاق، هذا إذا كانت هناك أي نقاط اتفاق، وما نقاط الخلاف وحقيقة أنها كثيرة ومتعددة وصعبة ومعقدة؟

لقد طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من قبيل التعجيز، أنه على الفلسطينيين أن يعترفوا بـlaquo;يهوديةraquo; دولة إسرائيل، وبأنها للشعب الإسرائيلي وحده، ويبدو أن الأميركيين يؤيدون هذا المطلب ويمارسون ضغوطا جادة على الرئيس محمود عباس (أبو مازن) وعلى القيادة الفلسطينية للاستجابة له وتحقيقه، وكذلك فإن وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان قد طرح أيضا شرطا تعجيزيا آخر وهو أنه على الجانب الفلسطيني أولا وقبل أي شيء أن يقبل بمبدأ التبادل، إنْ بالنسبة للأرض وإنْ بالنسبة للسكان، أي مبادلة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وسكان هذه المستوطنات بالمدن والقرى العربية فيما يسمى الأرض المحتلة منذ عام 1948 وسكان هذه المدن والقرى.

ثم وحسب ما أثير، فإن الإسرائيليين بالإضافة إلى هذا كله يصرون على أن يبقى جيشهم يرابط ولعشرة أعوام مقبلة على الجانب الغربي من نهر الأردن على الحدود الأردنية ndash; الفلسطينية، وأنهم مع اعترافهم المسبق بخضوع هذه المنطقة التي ستكون بعمق نحو 20 كيلومترا، للسيادة الفلسطينية، يصرون أيضا على أن من حقهم استغلالها ماء وأرضا على مدى هذه الفترة الزمنية الآنفة الذكر، وهذا بالإضافة إلى وجود مراقبين إسرائيليين على نقاط العبور من الأردن إلى الضفة الغربية، وعلى غرار ما كان ساري المفعول على معبر رفح بين مصر وغزة قبل انقلاب حركة حماس على السلطة الوطنية في عام 2007.

ومقابل كل هذه الشروط التعجيزية فإن الفلسطينيين يقولون، وقد أعلنوا هذا حتى على لسان الرئيس محمود عباس نفسه مرات عدة، أنه لا يمكن القبول بيهودية الدولة الإسرائيلية مهما حصل، وأنه لا يمكن النظر حتى مجرد النظر في ما طرحه ليبرمان بالنسبة لعملية تبادل الأرض والسكان، وكذلك فإنه لا اتفاق ولا سلام من دون أن تكون القدس الشرقية (العربية) عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة التي يجب أن تقوم على حدود الرابع من يونيو عام 1967 مع تبادل محدود لبعض الأراضي وبنسبة لا تزيد على أربعة في المائة.

وكذلك فإن الفلسطينيين يصرون على إيجاد حل لقضية اللاجئين يجري وفقا للقرارات الدولية وأهمها القرار رقم 194، وهم يقولون، بل ويصرون أيضا، على أن حق العودة أو التعويض هو قرار شخصي وفردي لكل لاجئ فلسطيني، ثم وبالنسبة للحل التعجيزي الذي يطرحه الإسرائيليون لمسألة الحدود الفلسطينية مع الأردن، فإن القيادة الفلسطينية تصر وقد قال (أبو مازن) علنا ومرارا وتكرارا، إنه لا يمكن القبول ولا بجندي إسرائيلي واحد على الأرض الفلسطينية، وإن البديل هو إما قوات دولية متعددة الجنسيات في إطار الأمم المتحدة، وإما قوات من حلف شمال الأطلسي أو قوات أميركية، وعندها فإنه يمكن القبول بمشاركة عسكرية إسرائيلية رمزية، ولكن بألبسة وأسلحة هذه القوات المذكورة آنفا وتحت إمرة قيادتها.

وبالطبع، فإن الأردن بدوره يرفض رفضا قاطعا مرابطة أي قوات إسرائيلية على حدوده مع الدولة الفلسطينية المنشودة، والمعروف أنه، أي الأردن، بقي يرفض رفع العلم الأردني مقابل علم إسرائيل الذي رفعه الإسرائيليون بعد احتلال عام 1967 على الجهة الغربية من نقاط العبور بين الضفة الغربية والضفة الشرقية، وذلك لأن الأردنيين يعتبرون رفع علمهم مقابل علم الإسرائيليين اعترافا باحتلال الإسرائيليين لهذه الأرض التي هي أرض الشعب الفلسطيني وحده. هذا هو كل ما قيل وما يقال حول ما من المحتمل أن كيري قد جاء به في جولته الأخيرة وهي الجولة العاشرة إلى هذه المنطقة، لكن الحقيقة أن هذه الأقاويل هي مجرد تصورات ومجرد استنباطات وتوقعات لا يوجد على الإطلاق ما يؤكد صحتها، وهذا في حين أن هناك من يقول إن كل ما قاله وما يقوله الإسرائيليون هو مجرد مناورات وألاعيب سياسية، وإن الحقيقة أن نتنياهو لديه الاستعداد للتخلي عن معظم شروطه ومطالبه التعجيزية، ولكن بعد ضمان عدم السماح للإيرانيين بإنتاج أي أسلحة نووية وبعد التأكد من التدمير تدميرا شاملا وكاملا للأسلحة الكيماوية السورية.

في كل الأحوال وفي النهاية، فإنه لا بد من التذكير بمبادرة السلام العربية التي يكثر الحديث عنها في هذه الأيام، والتي يمكن تلخيص ما تضمنته بالنقاط التالية:

* الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو 1967، وكذلك الأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.

* التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العام للأمم المتحدة رقم 194.

* قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي:

* اعتبار النزاع العربي - الإسرائيلي منتهيا والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.

* إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.

* ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.