عبدالعزيز السماري


في أطول فترة انتظار تاريخية تعيشها أمة، لا يزال العرب ينشدون السلم الداخلي منذ قرون، ويتمنون أن يأتي اليوم الذي يعيشون فيه مثلما يعيش سكان دولة صغيرة مثل النمسا أو فنلندا، وأن تكون كرامة الإنسان أياً كان تأتي أولاً، وأن رغبته الأولى والأخيرة في أن يعيش بسلام وطمأنينة، وأنها حق إنساني لا يمكن التنازل عنه من أجل شعارات أعلى، فما يحدث من تطاحن وتناحر في بعض المجتمعات العربية، وما نشاهده من فقر يصل إلى حالة البؤس والذل، وما يحدث من صراع سياسي مرير ينذر بطول الحرمان من الوصول إلى تلك الحالة الحضارية التي وصلتها دول صغيرة قبلنا منذ عقود.

إذا أردنا أن نصل إلى تشخيص الحالة المتعسرة عند العرب، وهل يمكن بالفعل رسم بعض ملامحها، فعلينا أن نتحلى ببعض الصراحة في الكشف عن تلك الأسباب، وأن نتحلى بالصبر من أجل علاجها بالحلول المناسبة، وسأضع ثلاثة أسباب حسب رؤيتي المتواضعة، وسأبدأ بالعامل الأول الذي يدور حول ارتفاع نسب الأمية بين العرب، حيث يقدر عدد الأميين في الوطن العربي اليوم بحوالي 70 إلى 100 مليون نسمة، يُمثلون ما نسبته 27% من سكان المنطقة، وتبلغ نسبة الإناث من الأميين حوالي 60 إلى 80%، وهو ما يجعل من الجهد من أجل رفع الوعي بين السكان عسيراً، ويتطلب جهودا مضاعفة من أجل القضاء عليها.

يأتي توظيف الدين في الصراعات السياسية واختلاف التفسيرات الدينية كعامل مهم جداً في قضية البؤس الذي يعيش فيها الإنسان العربي، فالدين أصبح أداة في يد بعض النخب، ويتم تطويعه من أجل مكاسب أكثر على الأرض، وفي جانب آخر يستخدم بعض الثوار والمعارضين الدين لتشريع استخدام السواطير والأسلحة الفتاكة من أجل تنفيذ عقوبات الإعدام في المخالفين منهم، وفي النيل ممن يقف في طريقهم، وبسبب ذلك أصبحت أرضية التطرف الديني مصدر جذب لدخول القوى الخارجية لأراضي العرب، وكانت النتيجة حروبا لا تتوقف بين المجموعات الجهادية وغيرها، تغذيها أجهزة الاستخبارات، ولا نعلم متى وكيف نخرج من تلك الدائرة؟، وهل سيعود الرشد يوماً للفكر الديني، أم سنستمر في مشاهدة الأحداث الدموية في الشوارع العربية.

العامل الثالث الذي لا يمكن تجاهله هو حالة الجشع المسيطرة على الوضع العربي، فقد أصبحت سباق الكسب غير المشروع ظاهرة عربية، هدفها الوصول إلى الغنى الذي يبعث الطمأنينة والرضى، لكن تلك حالة لا سقف لها، لأن الجشع مرض وتحركه أطماع نفسية غير سوية، هدفها أن تأخذ نصيبها على أكمل وجه، ثم تطمع في نصيب غيرها، وذلك يختصر الحالة العربية، فالفارق بين الثراء الفاحش والفقر المدقع واضح لدرجة أنك تشاهده في أحياء المدن وأريافها، وفي فنادقها، وفي الإعلام، وفي الدراما العربية، وفي أخبار المساء، والسبب هو ذلك الاستئثار الجنوني لفئات بكل مدخرات الأوطان، في حين يعيش نسب غير قليلة من السكان في العراء، ولا يحصلون على أدنى حقوقهم في العيش بسلام، بسبب قلة الدخل وحالة الحرمان التي يعيشونها أباً عن جد.

يحدث ذلك في عالمنا العربي برغم من أنهم أكثر شعوب الأرض تنطعاً بالدين، وأكثرها رغبة في أداء الأعمال الخيرية، لدرجة أن لكل منهم مبرة خيرية، يصرف منها بسخاء على الفقراء والمساكين، لكنها بحسبة بسيطة لا تكفي، فالمتضررون من ظاهرة الجشع يفوق عدد المستفيدين من وجبات غذائية متقطعة كل أسبوع..، كم تثيرني حالة التهجد والتدين التي تظهر في المجتمعات العربية في المواسم الدينية، لكنهم برغم من ذلك لا يكترثون كثيراً لما يحدث في مجتمعهم من فقر وبؤس بسبب سوء الأحوال الاقتصادية والفساد المالي والإداري، وكم يؤلمني أن يكون الفقر والجهل والمرض أعراض مرض أمة موبوءة بالأمية والتطرف والجشع والتسلط، وفي نفس الوقت تقدم نفسها على أنها خير أمة أخرجت للناس..