نبيل بومنصف

لم يكن غريبا اطلاقا ان يرقى يوم البارحة الى مصاف تاريخ لبناني مفصلي في مسار مجبول بالدماء والارهاب اطلقه اغتيال رمز السلام والاعتدال والاعمار الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه ومن ثم سائر قافلة شهداء الاغتيالات. مسار افضى بعد تسع سنين الى صبحية دامية شديدة الفظاعة في استهدافاتها ورمزيتها في الهرمل التي اختيرت طرفا آخر للمعادلة الارهابية في يوم المحكمة الدولية كأنه يقال للبنانيين انه بعدالة او من دونها فان وقائع الارض الملتهبة ستظل اقوى من اي ردع لمحاولات اشعال لبنان.
مع ذلك لا يجيز تصاعد الانفعالات حجب حقيقة هي بمستوى الحقيقة التي يتوسلها منتظرو المحاكمات. فعلى الاهمية المصيرية التي تعلق على العدالة لا نرى قيامة حقيقية لمفهوم العدالة ما لم يرتق لبنان بدولته الى مستوى هذا الذي يعصف بلبنان منذ اغتيال الرئيس الحريري الى البارحة تماما. لقد شكلت حرب الاغتيالات والتفجيرات ما لم يعد يحتاج الى اثبات في شأن تقويض القدرات اللبنانية الصرفة على مواجهة امنية وقضائية وقانونية بمستوى الردع الكافي. بذلت جهود وتحققت انجازات لا يمكن التنكر لها في السنين التسع. ولكن مستوى المواجهة لم يعد يسمح بتنميقات ولياقات، اذ ان لبنان ما كان ذهب الى لاهاي لو كانت قدراته تسمح منذ الواقعة الارهابية الاولى بالرد الحاسم. يقال اصطلاحا ان الولايات المتحدة نفسها لم تقوَ على الرد على الارهاب الا بحروب استولدت مزيدا منه. وهذا صحيح، لكن ذلك لا يبرر للبنان بعد تسع سنين الا يستعيد بناء قدرات استثنائية امنية وقضائية كافية بالمقدار الحتمي الملزم لاستعادة ثقة مواطنيه بعدالتهم الوطنية.
نقول ذلك ونحن تحت تأثير الذهول لدفق الوقائع في اليوم الاول من المحاكمة الذي عاين معه اللبنانيون للمرة الاولى نتائج تراكم سبع سنوات من عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لكن اللبنانيين الذين يتحرقون في انتظار الاحكام يقبعون على ارض متفجرة ويوميات تستجرهم بالقوة القاهرة الى محاولات الفتنة التي لن تتراجع قبل ان يصبح للامن والقضاء الوطنيين مخالب واظافر وقدرات حاسمة وآليات غير تقليدية تنفض عن مفهوم العدالة كونها مسخرة للظروف والاستباحات السياسية والارهابية سواء بسواء. وبأوضح المعاني افصاحا نقول ان امنا لبنانيا خالصا وقضاء لبنانيا مستقلا هما فحوى الرسالة المدوية مقدار رسالة انطلاق المحاكمات امس في لاهاي. ولا حاجة الى الاستفاضة في دلالات تفجير الهرمل بعد اسبوعين تماما من تفجير حارة حريك واقل من ثلاثة اسابيع من اغتيال آخر الشهداء في قوى ١٤ آذار الوزير السابق محمد شطح. ومعنى ذلك ان لبنان في حاجة الى عدالة محترفة مقاتلة ميدانية وحازمة لأن وقائع الارض لا تحتمل انتظار السنوات. ولعل هذا هو البعد الدراماتيكي ليوم البارحة.