عدنان حسين


يُمكن للمشاكل القائمة الآن بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كردستان أن تظل معلّقة ثمانين سنة أخرى، مثلما بقيت مشكلة الحقوق القومية للكرد معلّقة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الماضي حتى العام الخامس من القرن الحالي عندما أجاز الشعب الدستور الدائم الذي كرّس العلاقة الفيدرالية بين الاقليم وبغداد في ظل نظام ديمقراطي برلماني.
بالتأكيد سيخسر الكرد وسيعانون ببقاء المشاكل الحالية من دون حلول دائمة (مشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها، ومشكلة انتاج وتصدير النفط والغاز، ومشكلة الموازنة ورواتب البيشمركة، ومشكلة التمثيل الكردي في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وسواها) .. سيخسرون وسيعانون كما خسروا وعانوا طوال ثمانين سنة سبقت العام 2005، لكننا نحن العرب وسائر القوميات العراقية سنخسر ونعاني أيضاً، بل ان خسارتنا ومعاناتنا ستكونان أكبر وأشد من خسارة الكرد ومعاناتهم، مثلما كانت خسارتنا ومعاناتنا على مدى الثمانين سنة السابقة على العام 2005 أكبر وأشد.
في حروب الحكومات العراقية، الملكية والجمهورية، ضد الكرد مات من المجندين العرب في الجيش أكثر مما مات من البيشمركة الكرد، وقد جُنّ جنون صدام حسين لأنه لم يستطع أن يكسر شوكة الحركة القومية الكردية وأن يرغمها على القبول بصيغته للحكم الذاتي، فتنازل لشاه ايران عن نصف شط العرب وعن اراضٍ كبيرة المساحة، ثم قرر في ذروة جنونه أن يُشعل حرباً ضد ايران لاستعادة ما تنازل عنه للشاه، فكانت كارثة كبرى قادت إلى كوارث أخرى، هي احتلال الكويت وحرب 1991 والحصار المهلك، أدت إلى إزهاق مئات آلاف الارواح واحراق مئات مليارات الدولارات وتكريس التخلف والفقر والمجاعة والبطالة والأمية في بلد كان مؤهلاً لأن تكون كل مدينة من مدنه على غرار ما هي عليه دبي وأبو ظبي الآن.


لو كان الحكم الملكي قد التزم ما رتّبته عصبة الأمم عليه بخصوص حقوق الكرد مقابل الحاق ولاية الموصل بالعراق، ما كان الجنرالات سيفجّرون سلسلة من الانقلابات، وما كان العهد الجمهوري سيرث مشكلة مزمنة حاول هو أيضاً حلّها بالقوة ففشل ولم يرعوِ، فظلت كرة الثلج الجهنمية تتدحرج بنحو جنوني. وهي لم تزل الى اليوم تتدحرج وتكبر، فالعقلية المتحكمة بالطبقة القاعدة على كراسي السلطة في بغداد الآن لا تختلف في شيء عن عقليات صدام وعبد السلام عارف وعبدالكريم قاسم ونوري السعيد.
في أسوأ الأحوال لدى الكرد ما يحتمون به ويعيشون عليه، الجبال، بخلافنا نحن العرب المنكشفة وجوهنا وجبهاتنا وظهورنا على السهل والصحراء.
لا مصلحة لنا في أي حال في عودة حكومتنا الحالية الى عنتريات أيام زمان مع الكرد ومع الجيران .. هناك بالتأكيد حلول سلمية وودية للمشاكل القائمة، والمصلحة الوطنية تقتضي ان تكون لدينا حكومة عاقلة تعرف كيف تبلغ هذه الحلول التي يمكن تحقيقها بتنفيذ المادة 140 من الدستور وبتشريع قانون النفط والغاز وباجراء الاحصاء السكاني، وبغيرها من الاجراءات التي كان يتعيّن على الحكومة الحالية وسابقتها الفراغ منها منذ سنوات، لئلا نصل الى ما نحن فيه اليوم من كرب وبلاء.