حمد الماجد

انقشع غبار الجريمة الخطيرة التي استهدفت حسينية شيعية في قرية آمنة مطمئنة من قرى الأحساء عن عدد من الحقائق والدروس، فهذه الحادثة المؤسفة ربما كانت محنة تمخضت عن منحة (لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم)، فالجريمة وإن كانت طائفية إلا أنها دبوس وخز بالون الاحتقان الطائفي محدثا نتيجة إيجابية عكسية، فقد تراجعت اللغة الطائفية وخنس المتوترون الذين يهوون التأجيج ويحبون أن تشيع الطائفية في الذين آمنوا، وارتفع صوت العقل من كل الأطراف، فالجرائم التي ترتكبها أنظمة العراق وسوريا ذات النكهة الطائفية الصارخة ساهمت في انتقال بكتيريا الطائفية للشعوب والنخب المثقفة مما جعل المنطقة على صفيح ساخن مهدد بالانفجار في أية لحظة، فجاءت جريمة الأحساء ناقوس خطر اغتسل الكثير بسببها وبسبب مآلاتها المفزعة من «بعض» أدران الطائفية وأوساخ التعصب.


لن نكون «طوباويين» ونقول إن الوضع قد عاد سمنًا على عسل، بل من صالح الجميع الاعتراف بأنه ما زال هناك عدد من الألغام التي تهدد السلم الاجتماعي، وعليه فيجب أن يكون هناك قدر من المصارحات والمكاشفات بين الجميع لكشفها بدل أن نضع الأوساخ تحت السجاد؛ مثلاً على الجانب السني يجب التفريق الواضح بين الاختلاف مع مبادئ وأدبيات المذهب الشيعي وبين التحريض ضد الأتباع والتضييق عليهم وتأييد أذيتهم ولو من طرف خفي، فالأذى والتضييق ليس من لازم الخلاف الآيديولوجي، بل إن هذه المتلازمة البليدة مخالفة للدين والعقل والسلم الاجتماعي.


وعلى الجانب الشيعي، يجب أن يدرك علماؤهم ومفكروهم ومثقفوهم أن غض الطرف عن الأدبيات التي تسيء إلى الرموز المحترمة عند غيرهم سيظل رافدًا خطيرًا يصب في نهر الكراهية واستفزاز الآخرين، وكل فريق فيه الأكثرية التي تلجم تصرفاتها بالتعقل والتبصر في المآلات، وفيه الأقلية المتوترة التي لديها القابلية للاستفزاز وسرعة ردود الفعل وعندها نزعة للعنف والتضييق على المخالف وظلمه، وهذه بالذات مع الأسف هي التي تحظى بتصفيق الجماهير ومساندتها وأهازيجها.


من حق الشيعة أن يطالبوا بتنديد صريح وواضح لهذه الجريمة الطائفية الخطيرة، ومن حقهم ومن حق الوطن كله أن يطالبوا بإنزال العقوبة المستحقة، وهذا ما فعلته وتفعله السلطات السعودية بكل قوة وخسرت في سبيل تحقيق السلم الاجتماعي خيرة ضباطها وجنودها، في المقابل تمارس إيران ظلمًا دمويًّا صريحًا ضد سنّة إيران منذ اندلاع الثورة الإيرانية، فتعلق مشانق الإعدام بالعشرات، بل بالمئات بصورة دورية، وأشد منها وأنكى حليفها الدموي نظام بشار الذي اكتفى بالبراميل المتفجرة لغة للحوار مع شعبه الذي يرزح تحت حكمه الدموي فقتل منهم عشرات الألوف وعذب ودمر وفتك، يقابل ذلك البعض من رموز الشيعة بالصمت المطبق، وهذا خطأ، فالظلم لا ينقسم ولا يتوزع، وليس استنكار الجريمة والظلم انتقائيًّا أو مزاجيًّا.


وعلى الرغم من غيمة الاحتقان الطائفي التي تغطي سماء المنطقة فإن هذه الجريمة لم تكن أبدًا مثار جدل ونقاش فتنادت جميع جهات وتوجهات المجتمع السعودي إلى التنديد الشديد والصريح بالحادثة حتى قبل أن تتضح الملامح الأولية لمرتكبي الجريمة، واكب ذلك إجراءات أمنية حازمة وحاسمة ضد من لهم علاقة بالجريمة، ولا ريب أن التجربة الطائفية المريرة والمدمرة التي مرت وتمر بها الدول المجاورة قد قدمت درسًا عمليًّا قاسيًا وعبرةً لقوم يعقلون، فلا بد أن يُستثمر الحدث لحقن الوطن بمزيد من الأمصال الواقية من ميكروبات الطائفية الضارة.