الياس الديري
&
ما حصل وما لم يحصل، لمناسبة ذكرى الاستقلال، هو الأمر الجلل الذي يتحدَّثون عنه عندما تُبْلى أمةً أو يُصاب شعبُ بكارثة كبيرة.
&
لا احتفالات. لا استعراضات. لا خُطب. لا حضور لكبار المسؤولين في الدولة. ولا جماهير تتفرَّج وتتابع العرض العسكري والخطب الرنّانة. ولا عجقة في ساحة الشهداء. ولا طائرات هليكوبتر تحلّق في أجواء الاحتفال الرئيسي والرئاسي.
&
ولا عيد. فيوم السبت 22 تشرين الثاني 2014 كان يوم حِداد صامت عمَّ معظم الجغرافيا اللبنانيَّة، الغارقة أصلاً في غياهب محنتها الأمنيَّة الداعشيَّة التكفيريَّة، وغيِّبت في مغاور الخطف لديها جنوداً لبنانيين.
&
كأنما اللبنانيّون قد "تمْسَحت" جلودهم، كما تقول الأمثال، لفرط ما تلقَّت من صدمات الحروب والأزمات المتتالية، والفوضى والفلَتان، وفوق الدكّة الأمنية السياسيَّة الاقتصاديَّة شرطوطة الفساد الغذائي الذي أزاح عنه الغطاء وزير الصحة وائل أبو فاعور، والخير لقدّام في كل الحقول دون استثناء.
&
لقد أبى الرئيس تمّام سلام، بحكمته ودرايته، أن يكون للبنان احتفال كالمعتاد ترحيباً بعيد الاستقلال التام والناجز ما دام مركز رئيس الجمهوريَّة يملأه الفراغ.
&
ليؤكدِّ بقراره أنَّ لا "أحد" يملأ هذا المركز إلا صاحبه. وصاحبه غير متوافر الوجود في الوقت الحاضر.
&
إذاً، لا احتفال بالعيد الوطني الكبير، مع شديد الأسف، وبكثير من العتب والغضب المكتومَين.
&
حتى قال بعض المتألمين من الوضع الذرِي الذي بلغه لبنان إن الاستقلال كاد أن يتقدَّم بالاعتذار من الشعب اللبناني، ومن الوطن الصغير المطعون في خاصرته بحرْبة أصحاب الشهَوات، والشخصانييّن والأنانييّن الذين لا يحتاجون إلى تعريف، فأعمالهم تدلُّ عليهم.
&
همَس في أذني أحد الموجوعين من فَجْعَنَة "بعضهم" أن الذين أُعطوا مَجدَ لبنان لم يعرفوا كيف يحافظون لا على هذا المجد، ولا على هذا اللبنان.
&
ولا ينقص هؤلاء إلا أن يفعلوا ما فعله عبدالله الصغير بعد ضياع غرناطة، آخر معالم الأندلس. في ذلك اليوم الكئيب وُجدت الأميرة عائشة ابنها عبدالله ينتحب، فقالت له: ابكِ كالنساء مُلكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.
&
إنما ليس لهؤلاء الذين يحفرون القبور للمؤسسات، وللدولة، وللصيغة، ولذاك المجد الذي أدركَته الشيخوخة دموع عبدالله الصغير، فدموعهم لا تختلف عن دموع التماسيح... إذا وُجدت.
&
إلا أنَّ في الواجهة السياسيّة وجهان لرجلين يحفران جبل الفراغ الرئاسي بالحوار والانفتاح، لا بالإبرة: الرئيسان نبيه برّي وسعد الحريري، ومعهما وليد جنبلاط. فلننتظر النتائج.