خليل علي حيدر

تجدد الاهتمام الإعلامي العربي والدولي بقضايا الاستعباد والرق، بعد أن اكتسبت بعض النشاطات الاقتصادية في العالم الثالث طابعاً استغلالياً بشعاً، وعمد بعض المستثمرين إلى اعتصار الرجال والنساء وحتى غير البالغين دون رحمة.

وفي العالم العربي، تجدد الاهتمام بالقضية بعد اكتشاف حالات من الاستعباد وبيع الرقيق في موريتانيا وأفريقيا الصحراوية، وبعد الجرائم الفظيعة لتنظيم «داعش»، بخاصة مأساة الإيزيديين والمسيحيين والصابئة في مدينة الموصل وجبل سنجار.. و«بيع السبايا»! تشرح المراجع الفقهية قضايا الرق، الذي تُعرفه بأنه «زوال نعمة الحرية عن الإنسان»، دون التفات للأسف، إلى واقع العصر الحالي وقوانين حقوق الإنسان الدولية، والفارق الزمني الهائل بين المصادر الفقهية المعتمدة، والقيم السائدة آنذاك، وبين حياة مسلمي هذا الزمان!

فمن الكتب التي نراها في المكتبات الإسلامية الحالية، «الموسوعة الفقهية الميسرة» للدكتور محمد رواس قلعة جي، دار النفائس، بيروت، 2000، وكان المؤلف أحد البارزين في وضع «الموسوعة الفقهية» الصادرة عن وزارة الأوقاف الكويتية، كما عمل مستشاراً لديها بعض الوقت. يقول «د.قلعة جي» إن الرق يحدث عندما يقع «الكافر المحارب» بيد المسلم، ويضيف: «فإذا وقع بيد المسلمين أسيراً فإنه لا يصير رقيقاً إلا إذا ضرب ولي أمر المسلمين الرق عليه»، أي إذا قرر حاكم هذه الدولة أو الخلافة الإسلامية اعتباره رقيقاً! وقد لا يستدعي الاسترقاق خوض الحروب والفتوحات، فقد يحدث في زمن الاستقرار والسلم.

فـ «إذا دخل المسلم دار الحرب فاشترى شيئاً من أولاد الكفار المحاربين وخرج بهم إلى دار الإسلام، فقد صاروا أرقاء». ولعل هذا ما يشرح لنا جلب التجار المسلمين «العبيد» من أفريقيا والمماليك من بلاد القوقاز البلقان والصقالبة، وكانت تجارة رائجة إلى أن بدأت الدول الأوروبية وبخاصة إنجلترا والقوانين الدولية بمنعها.

ولو زال الضغط الدولي اليوم، فلا أستبعد عودة أشكال قديمة وجديدة من الرق.

ثالث مصادر الاسترقاق التي يتحدث عنها أستاذ الشريعة السابق في جامعة الكويت د. قلعة جي (1934-2014)، هي «الولادة من أُم رقيقة»، أي زوجة مملوكة لسيد هو زوجها بطبيعة واقع الاسترقاق. وهذه تسمى في المصطلح الفقهي «أم الولد». وقد يكون العبد في حالة «المدبِّر»، كما يسمى فقهياً: «وهو الرقيق الذي علّق مالكه عتقه على موته، فإذا مات مالكه فهو حر». ويضيف د.قلعة جي والمدير «لا يجوز بيعه إلا أن تتراكم الديون على مالكه، ولا يستطيع وفاءها إلا ببيع رقيقه المدبّر، فيجوز بيعه».

وهناك أخيراً «المكاتب»، وهو «المُسْترَق» الذي تعاقد مع مالكه على أن يدفع له الرقيق مبلغاً من المال ليكون حراً. والرقيق غير «المكاتب» لا يملك المال شرعاً.

وما في يد المسترق ملك لسيده، فالرقيق محجور عليه لا يجوز له أن يبيع أو يشتري أو يهب أو يتزوج إلا بإذن سيده.

كما أنه لا يرث من قريبه الحر شيئاً، أي من أي عبد سابق من أقاربه! من جانب آخر، لا يجب عليه شيء من الواجبات المالية كالنفقة على الأقارب، والزكاة، ولا يثبت عليه دين، وعقوبته على النصف من عقوبة الحر، فإذا كانت الإماء متزوجات فَزَنَيْنَ فعليهن نصف ما على الحرائر من العقوبة، خمسون جلدة. ماذا عن عورة المرأة المسترقة أو الأَمَة؟ لا مجال هنا للأسف، للتوسع في أحكام الرق. وهي موجودة في كتب الفقه كلها. وتغطي مسائل شتى في مجال الزواج والتجارة والميراث والعقوبات والعلاقات الاجتماعية، حيث اختلفت المذاهب الفقهية في هذه المسائل بين متشدد ومتساهل.

ومن هذه المسائل «من وطِئَ جارية زوجته، هل يقام عليه الحد؟، ومنها: «هل يُقتل الحرُّ بالعبد». إذ يقام الحد على القاتل إذا كان حراً والقتيل كذلك، ويُقام إن كان القاتل عبداً والقتيل حراً، ويجري القصاص بينهما. وعندما اتسعت الدولة الإسلامية كثرت المسائل والقضايا، وباتت تشمل المسيحيين واليهود، وبخاصة التجار منهم، وعبيدهم.

يقول د. محمد عفيفي في كتابه «الأقباط في العصر العثماني، القاهرة 1992، أن بعض القيود قد وُضعت في العصر العثماني على اقتناء الأقباط للعبيد والجواري، كما تم منع المسلمين والأقباط من شراء المماليك والجواري البيض، وطُلب منهم بيع ما لديهم منهم، مع إباحة اقتناء المسلمين للعبيد والجواري السود، حيث كان اقتناء المماليك والجواري البيض – نظرياً - امتيازاً للمتنفذين والعسكر».
&