عبد المنعم المشاط

لا شك أن الموقف الصلب للإمارات والسعودية تجاه مصر وشعبها وثورة 30 يونيو يدعو العالم كله للتساؤل عن سر هذا الترابط والتفاعل والتعاون بين هؤلاء الفاعلين الدوليين الرئيسيين فى المنطقة.

واليوم نحاول أن نلقى الضوء على علاقة الإمارات بمصر، ومدى الشعور بالإخاء بين البلدين الشقيقين والشعبين العربيين، وتحليل تلك العلاقات يستند إلى أسس عدة من بينها المعايشة المباشرة لمدة ست سنوات لقيادة وشباب وشعب الإمارات، فقد شاء حسن الطالع أن أقضى فترة تدريس متميزة بجامعة الإمارات قابلت خلالها صاحب السمو المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان فى عزاء لأخيه المرحوم الشيخ شخبوط، ولقد استطاع المرحوم الشيخ زايد فى سنوات قليلة بالتعاون مع المرحوم الشيخ راشد بن مكتوم وحكام الإمارات الأخرى بناء دولة حديثة قوامها وأساسها الشباب الإماراتى الواعد.


والذى لا يعلمه المصريون عن الإمارات وشعبها وعلاقته بقيادته، أنهم كانوا يطلقون على الشيخ زايد laquo;الوالدraquo; بحكم رعايته وحرصه عليهم وعلى دولتهم، أتذكر أنه فى إحدى جولاته بمدينة العين، غضب غضبًا شديدًا على شاشات التلفاز بسبب عدم وجود تصريف لمياه الأمطار فى الشوارع، وكان يوبخ المسئول علنًا، وأعتقد أنه أقاله على الهواء، أتذكر كذلك فى حواراتنا مع شباب الإمارات، ومنهم المسئولون التنفيذيون ورؤساء البعثات الدبلوماسية اليوم، كيف يكنون كل الاحترام والتقدير لمصر وشعبها ومدرسيها وأساتذتها ومهندسيها ومهنييها، وكانواحريصين ليس فقط على الزيارات الدورية لمصر، بل وعلى تملك الأراضى والعقارات وإقامة المصانع بها، أتذكر طالبات وشابات الإمارات فى لقائهن مع الشاعر الكبير جمال بخيت فى كلية الطالبات وهن يسمعن عذب الشعر عن مصر، حاضرها ومستقبلها، وغضبة الشاعر عن وضعها آنذاك. ومن جانب آخر؛ فإننى وبحكم التخصص متابع لكل من السياسة الخارجية لدولة الإمارات وعلاقاتها الاستراتيجية وخصوصًا بمصر والدول العربية، ولقد كتبت عن ذلك مرارًا مؤكدًا مدى تكامل الأمن الوطنى للإمارات ودول الخليج مع الأمن القومى المصرى، وإضافة كل ذلك إلى الأمن القومى العربى فى مواجهة التهديدات الإقليمية؛ فمنذ إطلاق المبادرة الأمريكية حول العمودين المتساندين فى الخليج، اتضح أن التهديد الإيرانى لأمن الخليج حقيقة وليس مجرد تصور سياسي، كما أن احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى دليل قاطع على النوايا التوسعية لإيران والتهديدات الإيرانية لتكامل دولة الإمارات، ولقد عاصرت مع أبناء جيلى التعاون والتنسيق الكامل بين مصر والإمارات ودول الخليج الأخرى وخاصةً المملكة العربية السعودية فترة احتلال صدام حسين للكويت وتهديده باحتلال الإمارات، وكيف حاولت مصر درء هذا الخطر أولاً بالتفاوض، وثانيًا باستخدام قواتها المسلحة مع دول التحالف لإجلاء العراقيين عن الكويت وإنهاء تلك التهديدات، وفى ضوء ذلك، لا يمكن تجاهل الزيارة التاريخية للشيخ زايد لمصر وتأمله لآثارها التاريخية ثم مساهماته فى قضايا الإسكان والصحة، والتى لا تزال مستمرة حتى اليوم. ومما لا شك فيه أن الثورات العربية، والتى اقتلعت من مصر الحكم الثيولوچى الشمولى للإخوان، قد أحبطت خطط تهديد أمن واستقرار دول الخليج وخاصةً الإمارات، وإن كانت الولايات المتحدة تعيد ترتيب حلفائها وأعدائها فى المنطقة؛ فليس غريبًا أن يعود التحالف الإيرانى الأمريكى إلى الوجود اليوم، ويتوافق معه التحالف التركى الإسرائيلى كمقدمة لخطوتين أساسيتين، تكمن الأولى فى التوافق الإيرانى الإسرائيلى حول الترتيبات الأمنية فى المنطقة، والثانية توظيف إيران لتهديد دول الخليج من جديد بما يشكل قلقًا استراتيچيًا ترعاه وتسانده الولايات المتحدة، وهو مقدمة لإحداث فوضى وعدم استقرار فى دول الخليج العربى وتهيئة الظروف لعودة النظم الثيولوچية إلى المنطقة توطئة لتقسيمها كما ورد فى استراتيچيات بناء الشرق الأوسط الجديد على لسان كوندليزا رايس وكتابات المفكرين العسكريين الأمريكيين وعلى رأسهم رالف بيترز فى مجلة القوات المسلحة الأمريكية منذ عام 2007، فى مواجهة تلك الترتيبات الخارجية، والتى تستهدف إرباك الاستقرار الداخلى فى الإمارات ودول الخليج تحت مسمى الربيع العربى الثاني، لا مناص من توثيق التعاون الاستراتيچى والسياسى بين مصر والإمارات؛ فهما شقيقتان تسعى كل منهما لمساندة ودعم الأخرى فى جميع ظروف اليسر والعسر.

وإذا كانت علاقات التعاون والتنسيق الراهنة تؤكد ما أشرنا إليه من توافق بين شعبى الدولتين؛ فإنه ينبغى على الرئيس القادم لمصر أن يضع التكامل بين الدولتين على قمة أولوياته حرصًا على المصلحة الوطنية لكل منهما وللمصالح العربية العليا، ونعيد ما أكدنا عليه مرارًا من أن الوقت قد حان لمبادرة مصرية خليجية حول إحياء معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول أعضاء جامعة الدول العربية، وفتح باب العضوية المنتسبة لمصر والأردن والمغرب والجزائر فى مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتشكيل كونسرتيوم استراتيچى قومى عربى لمواجهة التهديدات من دول الجوار الجغرافى وغيرها من الدول الطامعة فى المنطقة ومواردها.