واشنطن ـ توماس جورجيسيان

جاءت خطة البنتاجون لخفض عدد أفراد الجيش الأمريكى الى أدنى رقم له منذ عام 1940 لتثير ضجة كبرى ونقاشا حادا حول توجه وزارة الدفاع وقياداتها فى مواجهة تحديات المستقبل ومخاطره. وقد كشف تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكى ملامح الخطة المقترحة فى مؤتمر صحفى عقده يوم الاثنين الماضى وكان بصحبته الجنرال مارتن ديمبسى رئيس الأركان أثناء حديثه عن ميزانية وزارة الدفاع لعام 2015 والتى يقدر حجمها ب 496 مليار دولار.

وحسب هذا التوجه فان عدد أفراد الجيش الأمريكى سينخفض الى ما بين 440 و450 ألفا مع عام 2019 وكان قد وصل عدد أفراده خلال حربى أفغانستان والعراق الى ما يقرب من 570 ألفا. وتشمل الخطة المقترحة خفضا فى بنود عديدة من ميزانية الدفاع تشمل عدد أفراد الجيش بالاضافة الى خفض لعدد السفن والطائرات التابعة للقوات الأمريكية وتقليص أو الغاء لبعض الخدمات وبرامج التدريب ومشروعات التسلح والقواعد العسكرية. وكان هيجل فى رأى المراقبين laquo;صريحاraquo; وأيضا laquo;صادماraquo; فيما أعلنه وقاله. خاصة أنه أقر بأن المخاطرة ستكون أكبر فى أى مواجهة عسكرية مقبلة وحرب يتم خوضها فى المستقبل. وأن الخيارات قد تكون أقل كما أن عدد الضحايا قد يكون أكثر الا أن هيجل شدد أيضا فى مؤتمره الصحفى على أهمية الاعتماد على العمليات الخاصة والتكنولوجيا خاصة القدرات الالكترونية فى تفادى تبعات خفض القوات أثناء

خوض حروب المستقبل.


وقد شهدت العاصمة الأمريكية فى الأيام القليلة الماضية عديدا من النقاشات والحوارات حول معنى ومغزى ما أعلنه وزير الدفاع وماهية تبعات هذا التوجه.وقد حرص بعض الخبراء على ldquo;عدم التهويلrdquo; والتأكيد بأن قدرات أمريكا الدفاعية مع جيش أقل عددا سوف تظل كما كان الأعظم والأقوى فى العالم خاصة مع الأخذ فى الاعتبار (حسب قولهم) ما اقترحه هيجل من زيادة الاستثمار فى العمليات الخاصة وأدوات الحرب الالكترونية واعادة هيكلة وتنظيم الوجود الأمريكى فى آسيا. فى حين حذر مايكل أوهانلن أحد خبراء شئون الدفاع بمؤسسة بروكنجز من هذا التوجه ذاكرا laquo;ليس من الحكمة على الاطلاق التمادى فى هذا التوجهraquo; ونصح بتوخى الحذر وعدم الاندفاع انطلاقا من هذا المنطق الخطير. خاصة أن الفترة القادمة حسب رأيه قد تشهد حالات تستدعى ضرورة اللجوء الى القوات الأمريكية فى تطبيق اتفاقات دولية وضمان حماية مصالح أمريكا فى منطقة الشرق الأوسط والخليج تحديدا. ومن المرتقب والمنتظر فى الأيام المقبلة مناقشة ما طرحه هيجل ومعه رئيس الأركان ديمبسى من توجه واقتراح لخفض فى ميزانية الدفاع وفى عدد أفراد الجيش. وهذه المناقشة سوف تكون محور

زيارات لهيجل لبعض المراكز والتجمعات العسكرية على امتداد البلاد. وأيضا خلال لقاءات لمسئولى البنتاجون بقيادات الكونجرس. ويتوقع المراقبون أن تكون جلسات الاستماع الخاصة بميزانية الدفاع أمام اللجان المختصة بمجلسى الشيوخ والنواب حادة وساخنة ومثيرة للعديد من القضايا الشائكة ذات صلة بوزارة الدفاع ومهام الجيش فى الحاضر وفى المستقبل. وهذه المناقشات سوف تشمل أيضا بالطبع مصالح الولايات المختلفة فيما يخص المخصصات المالية للقواعد والمنشآت العسكرية بالاضافة الى عقود تصنيع الأسلحة من خلال البنتاجون. على سبيل المثال حجم العقود التى كانت من نصيب ولاية فرجينيا فى عام 2012 بلغ أكثر من 50 مليار دولار. وتأتى هذه المناقشات فى وقت يدور فيه الحديث فى واشنطن حول أفغانستان والانسحاب العسكرى منها مع نهاية هذا العام ـ 2014. وتعد laquo;أفغانستانraquo; أطول حرب فى التاريخ الأمريكى الحديث امتدت لـ 13 عاما وبالتالى فان ما تمت مناقشته قبل وبعد المحادثة التليفونية التى دارت منذ أيام قليلة بين الرئيس أوباما ونظيره الأفغانى كارزاى دار حول laquo;تلكؤraquo; الرئيس الأفغانى والتساؤل laquo;هل يمكن الوثوق به فى التوصل الى اتفاق بشأن التواجد العسكرى ما بعد عام 2014raquo;. واذا تحقق ذلك الاتفاق فان ما ستقوم به القوات الأمريكية (وقد يتراوح عددهم ما بين 3 و10 آلاف) ضمن تواجد قوات حلف الناتو هو تدريب القيادات الأمنية والعسكرية الأفغانية على ادارة الأفراد وشؤون البلاد. ما قيل مؤخرا بشأن كارزاى كان محددا وواضحا بأن لا يمكن الاعتماد عليه فى صياغة خطط مستقبل أفغانستان ومن ثم تم استبعاده أو فلنقل لن يؤخذ فى الاعتبار فى صياغة معادلات المستقبل. وجدير بالذكر أن التواجد الأمريكى فى أفغانستان يكلف سنويا أكثر من 90 مليار دولار. ولهذا جاء ذكر أفغانستان كلما احتد النقاش حول ميزانية الدفاع والحديث عن متطلبات المستقبل وتحدياته.

وقد تباينت الآراء حول طبيعة القوات العسكرية الأمريكية والمهام المنوط بها فى بداية القرن الحادى والعشرين الحالي.خاصة أن أمريكا بوجه عام (قيادة وشعبا) أنهكتها الحرب فى كل من أفغانستان والعراق. وما حدث بسببهما من استنزاف للموارد البشرية والمالية على مدى الأعوام الـ 13 الماضية. آثار الحرب وتداعياتها كانت كافية لاعادة النظر فى ما يسمى بـ laquo;الحلول العسكريةraquo; للأزمات فى العالم ودور أمريكا laquo;كشرطى العالمraquo;. ولهذا لم يكن بالأمر الغريب عندما أبدت أغلبية الشعب الأمريكى laquo;اعتراضهاraquo; على ما تم طرحه من تدخل عسكرى أمريكى فى سوريا ثم laquo;ارتياحهاraquo; عندما قرر الرئيس أوباما تراجعه عن هذا التدخل ولجوئه الى الحل السياسى والوساطة الروسية فى محاولة لايجاد مخرج للأزمة السورية.

فى الجانب المقابل نجد ما قد يصر عليه البعض وخاصة من جانب laquo;صقور الأمن القومى الأمريكيraquo; بأن ما يحدث وما يرمى اليه هيجل ومعه ادارة أوباما يمثل laquo;تراجعاraquo; أو laquo;تقهقراraquo; فى درجة الاستعداد القتالى ومن ثم فان ما يعد مخاطرة قد تتسبب فى الحاق الضرر بأمن أمريكا. ويأتى هذا الخفض الأخير فى سياق ما تم تطبيقه فى الفترة الماضية من اجراءات وتم اتخاذه من خطوات laquo;تقشفيةraquo; طالب بها وأقرها الكونجرس. بناءا على الحاح من قياداته من الجمهوريين وذلك فى محاولات سياسية لعرقلة أداء الادارة والرئيس أوباما شخصيا فى اطار ما يسمى بـ laquo;روح المسئولية تجاه المخصصات الماليةraquo; أوالحد من الاسراف الحكومي.

ويذكر فى هذا الصدد أن فى المعارك والمواجهات السياسية التى نراها فى المشهد الأمريكى يتم وصف أو وصم الديمقراطيين بأنهم الأكثر اسرافا للأموال العامة من خلال البرامج الحكومية كما أنهم فى أغلب الأحوال الأقل ادراكا والأقل اهتماما بمتطلبات الدفاع وتحديات الأمن القومي. هكذا قيل من قبل ويقال اليوم كلما تم طرح ملفات الدفاع والانفاق العسكرى وخوض الحروب فى مواجهة الأعداء ومخاطر الارهاب العالمي. وهذه هى النغمة التى كانت السائدة فى العقد الماضى وخلال سنوات ما بعد 11 سبتمبر وولايتى بوش (الابن) ولا تزال تتكرر حتى الآن وربما بأصوات أكثر حدة!!