حسن علي كرم

قادتني الضرورة لأقوم بمراجعة لإحدى ادارات بلدية الكويت، وحيث انني لست من المعتادين على مراجعة الدوائر الحكومية إلا فيما ندر، فعندما دلفت من البوابة الرئيسية لمبنى الادارة حتى وجدت نفسي كالغريب الذي ينزل مدينة لأول مرة، فرحت أجوس في ردهات المبنى علني اجد بغيتي، وكلما مررت على غرفة من غرف الادارة وجدت موظفا وافدا يقبع خلف المكتب الوثير، فتعجبت من هذا المشهد الغريب، وخلت نفسي كما لو كنت في بلاد اخرى غير الكويت ولا في دائرة حكومية من دوائر حكومة دولة الكويت، اذن، أين الكويتيون الذين تنزل بهم قوائم التوظيف بالآلاف في كل شهر ميلادي من ديوان الخدمة المدنية، هل دابوا كما يذوب السكر في استكانة الشاي، وصراحة لم استطع ان اتمالك نفسي، فأخذ السؤال يحوس في قلبي الى ان وجدت بغيتي في الموظف الكويتي الوحيد الذي هو في الوقت نفسه مسؤول عن الادارة، وهو بمثابة العينة للموظف الكويتي المعين في هذه الادارة العتيدة، ويبدو ان وجوده من قبيل سد الذرائع، فطرحت عليه ملاحظتي عن هيمنة الموظفين الوافدين وكلهم من جنسية عربية واحدة على الادارة، رد الموظف الكويتي فصدمني بالرد المخلل الذي اعتدنا سماعه منذ الستينيات من القرن الماضي وهو قولهم لا فض فوهم «الكويتي مو مال شغل، ما يبي يتَّعب نفسه»!!


ربما أنطوى على شيء من الواقعية (المؤلمة). رد هذا المسؤول، الا ان السؤال هل صدق قوله ان الكويتي مو مال شغل وانه كسول يعتمد على كفاءة الموظفين الوافدين، فيما يتدفق من الجامعات المحلية والعالمية آلاف الشباب من الخريجين الكويتيين الذين يحملون ارفع الشهادات العلمية في الهندسة والقانون والادارة والطب وبقية العلوم الاخرى الذين يبزون الوافدين في الكفاءة العلمية.


واذا صح ان الموظف الكويتي مو مال شغل وما يبي يتعب نفسه، فمن اوصله الى هذا المنحدر الخطير غير الانطباع المسبق عنه والذي ترسخ في اذهان كبار القياديين والمسؤولين من وزراء ووكلاء وزارات فأقصي متقصدا وتحديدا عن الادارات ذات الخصوصية المعنية كالادارات الهندسية والقانونية والمالية والمحاسبات والكمبيوتر ليحتل هذه الادارات المهمة والحساسة الموظفون الوافدون الذين اعود واكرر من جنسية عربية واحدة وبكفاءة متواضعة.
واذا وجد موظفون كويتيون متقاعسون كسالى فذلك لغياب الحوافز ولغياب المحاسبة والجزاء والعقاب.


ان هذا الانطباع المضلل والفاسد والمنعوت به الموظف الكويتي والانسان الكويتي ادخله في اذهان المسؤولين الكويتيين في تلك الازمات المبكرة العروبيون والفلسطينيون حتى تكون لهم وحدهم الامرة والسيادة على الارض الكويتية، وحرمان المواطن الكويتي من حقه في العيش الكريم وحقه في ادارة شؤون بلده..(!!)


ومن المؤسف انه بعد هذه السنوات الطويلة وبعدما حاقت بالكويت مصائب جمة وبعدما تدفقت على ميادين العمل الآلاف من الشباب الكويتي حملة الشهادات العالية في شتى التخصصات الفنية والانسانية ان يبقى هذا الانطباع الفاسد والقاتل مترسخا في اذهان المسؤولين الكويتيين فيقصون الشباب الكويتي ابن البلد من مسؤولياته الوظيفية ويفضل عليه الوافد الذي مهما اخلص في العمل فلن يكون بإخلاص المواطن الكويتي.


فإذا تقاعس الشباب الكويتي عن الوظيفة الحكومية في ظل هذا الجو التآمري الفاسد، واذا ظل القرار بيد موظفين اغراب يخططون ويرسمون ويقررون سياسات الدولة، فلا تلومن الشباب الكويتي اذا ازمع الهجرة والعمل في الخارج وترك للاغراب يتمتعون بخيرات وطنهم، ولا تتعجبوا اذا وجد الكويتي نفسه غريبا في الدوائر الحكومية كما لو كان في بلد آخر لا في وطنه(!!)


ان وجود آلاف الموظفين ومن جنسية واحدة في الدوائر الحكومية ولا سيما في الدوائر ذات الصفة الامنية والمالية والقانونية اخطر على الكويت من الغزو العراقي، فإلى متى نستمر في السذاجة والاستهتار بالقيم الوطنية..؟!!
هل هذه الكويت التي تبنى بسواعد ابنائها، أم هي حرب لتثبيط سواعد ابنائها يا سادتنا الاغيار والاخيار، ويا حكومتنا الرشسيدة، ويا مجلس امتنا المغيب والمنشغل بالمناكفات الشخصية والموضوعات التافهة..؟!!
&