عبدالله العوضي

انقضى عام 2014 ولم نستطع أن نعمل جرداً صحيحاً كما هو الحال بالنسبة لحسابات الأرباح والخسائر في الشركات والمؤسسات العامة أو الخاصة. لأن العام الماضي وأحداثه لم يترك لنا مجالاً للتوقف والجرد لأنه جرّدنا من الأفكار النمطية وتركنا في بحر من المفاجآت المدهشات التي «تلخبط» على صاحب العقل والرشد تفكيره وتذهب به في عالم ضرب الأسداس في الأخماس بلا نتائج ملموسة على أرض الواقع.

لقد اختفى «الربيع العربي» المزعوم عن الصورة الواقعية والذهنية حتى غطى المشهد العام شيئاً لا نعرف ما هو ولكن سمِّي «داعش» من سماه، طبعاً أصحاب هذا التنظيم الدموي الذاهب في التطرف إلى أقصى مدى.


إذا كنا نتحدث عن عالم السياسة فإننا لا زلنا نتذكر مقولة بوش الإبن الذي له نصيب كبير فيما يحدث اليوم في العالم أجمع وليس فقط في عالمنا النامي العصي على الاستمرار في النمو.

بوش الإبن هو الذي وصف مثل هذا الواقع المرير من حيث المبدأ عندما عرف الواقع بتوقع ما لا يتوقع وهذا ما كان واضحاً في عهده وعهد سلفه، ويبدو أن الحبل لا زال على الجرار.

في عوالم الفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضيات التي تؤثر في العالم من حولنا كما في السياسة، الأمر مبني على معادلات صارمة وواضحة قلّ أن تحصل لها الخيبة أو سوء الظن بها، لأنها سهلة الاختبار والتحقق مرات ومرات.

أما في عالم السياسة واللاسياسة، فإن الأمر بالطبع خاضع لمعادلات شتى ومتحركة في كل آن، حتى مع أكبر قوة عالمية ألا وهي أميركا ومن ورائها دول الاتحاد الأوروبي قاطبة، وتبقى آسيا في المنتصف حائرة وقد تخشى أن يجور عليها الغرب ويحطم أماني مستقبلها المشرق.

لاشك في أن للعام 2014 امتداداً واضحاً في العام الذي حل علينا منذ يوم واحد ومعرفة ذلك لا تحتاج إلى إعمال فكر ولا تدقيق نظر ابتداءً من حمولة قضيتنا الرئيسة في فلسطين ودولتها المنسية وتهديدات إسرائيل لها بالحل والإحلال للسلطة الفلسطينية إذا ما تجرأ العرب على إعلانها عنوة أو حتى خفية أو همساً كما حدث في اجتماع التصويت أخيراً.

أما ذراع التطرف الصارخ فإنها مصرّة على اجتثاث صورة الإسلام المعتدل من جذورها وإلقاء أطنان من الرعب والإرهاب في قلوب المسلمين قبل غيرهم من أصحاب الملل والديانات والمذاهب والمعتقدات الدينية السماوية أو الأرضية.

فلم يفقه أحد بمعنى معرفة خير الخيْرين وشر الشرَّين حتى من خلال مراكز الأبحاث ولا قاطني الديار التي أصيبت قسراً وقهراً بداء «إيبولا التطرف»، فهؤلاء لم يعرفوا حقيقة الانتماء والولاء، فمن اكتوى بتطرف «داعش» لم يسلم من تطرف «طالبان» ومن اكتوى بتطرف «طالبان» لم يأمن من تطرف جماعة «لشكر» الهند، حتى وقع العالم في فخ «الإخوان» وعلم بأن التفريخ الأولي لكل ذلك له امتداد عميق في جوف هذا الكيان الذي كان يلعب دوراً «ماكراً» من خلال الخلايا النائمة ودوراً أكثر «مكراً» بعد أن استيقظ وهو على رأس السلطة في بعض بلدان «الربيع» المنكوب والمنكوس.

فالأصل في السياسات الراهنة أخذ كل ذلك بعين الاعتبار عند ولوجنا جديد هذا العام في رقمه والقديم في تأثيره، فهناك أحمال كاذبة في العام المنصرم وستضع مواليدها النكرة في هذا العام، وفجأة يُبحث عمن يقوم بتبنيها على علاتها وهذا هو أخطر ما سيخرج من تلك الأرقام الحاملة لمزيد من المآسي والكوارث وخاصة فيما يتعلق بالمطبات الفكرية المتفجرة أو زوايا التطرف الحادة في مفاعيلها السالبة لكل رؤية استشرافية إيجابية.

ففي عام 2015، مطلوب الكثير وأهمه التخلص من حمولات عام 2014، لا نقول فجأة أو في ذات لحظة ولادة العام الجديد، بل بتوافر جهود العالم أجمع على خطة واضحة ورؤية ثاقبة لما جنت السنة الماضية من جرائر وجرائم في حق البشرية جمعاء، وهذا هو الجزء الأكبر والمنوط بالعام الوليد.

فالتوقعات الإيجابية في ظل هذه الأوضاع المتفجرة على مدار الساعة ليست بتلك السهولة، لأن حالة السيلان لا تجعل للفكر السليم موقعه الصحيح من الإعراب عن تمنياته لما هو آت.

فكل ما فات في عام 2014 لم يترك لعام 2015 مجالاً للتنفس من رئته بسهولة، فكان أكثر تنفس العام الماضي من فمه وليس من رئته، فكم هو صعب هذا الوضع إذا ما واصل في سنتنا الجديدة على ذلك المنوال.

ما ذكرناه ليس يأساً أبداً، بل هو لبس مؤقت في فهم الواقع كما هو وليس كما ينبغي أن يكون عليه الحال، فالفلسفة هنا خاسرة والسياسة الحالية واللاحقة هي التي تدفع ثمن غياب الفلسفة والمنطق عن كل ما يحدث من حول العالم قبل أن يقع عام 2015 أسيراً بين يدي تركة سابقه عام 2014، حتى يأتي من يطلق سراحه بفدية من فكر خلاق يزيل الأسر عن اللحاق بالعام الجديد، نرجو أن يحدث ذلك ولو مرة واحدة خلال هذا العام.
&