عبدالله جمعة الحاج

الإحصاءات الدقيقة حول عدد المسلمين في أفريقيا شحيحة، وإنْ تواجدت فهي غير دقيقة دائماً، لكن في المجمل نصف سكانها مسلمون، ويضع المتحفظون من المراقبين تقديرات بأن نسبة المسلمين جنوب الصحراء تصل إلى ثلث السكان. ومن الواضح أن الحركات المتطرفة تشكل الآن تحديات جديدة لدول أفريقيا وللمجتمع الدولي، واحتمال قيامها بعمليات إرهابية يبدو وارداً أكثر من ذي قبل، لكن مثل هذه الحركات لاتعكس حقيقة الإسلام والمسلمين في القارة، وهي تمثل جزءاً صغيراً فقط من الفعاليات المعاصرة للإسلام في السياسات الأفريقية.

الفهم الكامل لكل من التهديد الذي يشكله المتطرفون ولمحدودية ذلك يتطلب منا أن نضع الراديكاليين في المنظور الضيق السائد لدى الباحثين والمحللين في الغرب، وذلك لأنه توجد توجهات دينية عادلة وقوية وبعيدة عن الإرهاب والتطرف، ولأنه يوجد نطاق واسع وتنوع شديد من الحركات والمنظمات والهيئات الإسلامية التي تمارس الإسلام القويم والدعوة الصحيحة إليه.

&


وفي جزء كبير منها، يتم تشكيل هذه الحركات ضمن محتويات شديدة التعقيد والاختلاف، سواء كان ذلك بالنسبة للمجتمعات الأفريقية المركبة أو تعدد النظم السياسية الحاكمة أو الأفراد والجماعات الذين يؤسسون مثل هذه الحركات هذا بالإضافة إلى الأنماط المختلفة من المكونات السكانية الدينية التي هي قواعد أساسية لمثل هذا التنوع. لذلك فإن التركيز الضيق الذي يبرزه الباحثون والمحللون السياسيون والمراقبون والإعلاميون من خارج أفريقيا والعالم الإسلامي والقائم أساساً على الجهل بالإسلام، جاعلين العنف والإرهاب الذي تمارسه جماعات ضالة وإرهابية وذات نفوس مريضة هو دليلهم ومرشدهم ومقياسهم للحكم على ما يجري، يجعلهم يفقدون الرؤية الصحيحة لأهمية الإسلام في أفريقيا بالنسبة للمسلمين الأفارقة البعيدين جداً عن ما يمارسه الإرهابيون باسم الإسلام.

فالأفارقة المسلمون يعلمون جيدا بأن دينهم هو دين الاعتدال والتسامح والعدالة وليس دين الإرهاب والتطرف، وهم ينطلقون من هذه الحقيقة السافرة في ممارساتهم تجاه الإسلام والسياسة.

ومسألة أهمية الإسلام في أفريقيا لاتنطبق على منطقة معينة دون غيرها، فنظراً لكونه في الماضي هامشياً على الصعيد السياسي لمدة طويلة بالنسبة للحكومات الوطنية التي أوجدها الاستعمار الغربي قبل خروجه، وعلى صعيد الاعتبارات الأكاديمية وبالنسبة للمراقبين والمحللين السياسيين والإعلاميين، فقد وجد الإسلام نفسه فجأة مركزياً في هذه المرحلة في النقاشات السياسية وفي الاهتمامات العالمية الخطيرة المرتبطة بالإرهاب ومكافحته. والملاحظ هنا أن التعميم المبالغ فيه في الربط بين الإسلام والإرهاب وجد له بيئة مناسبة نتيجة للمخاوف من التهديد الإرهابي، الذي شكلته حركات التطرف التي تدعي لنفسها بأنها إسلامية رغم بعدها في ممارساتها البغيضة عن الإسلام سواء كان ذلك في شمال أفريقيا، وتحديداً الجزائر أو في شبه جزيرة سيناء أو في شرقها في الصومال، أوفي غربها في نيجيريا ومالي أو في عدد من دول جنوب الصحراء الكبرى. ما قامت به هذه التنظيمات الإرهابية من تفجيرات وقتل واختطاف وانتهاك للأعراف الإنسانية وقطع للرؤوس بعيد كل البعد عن الإسلام، فالحركة الإسلامية كمفهوم يعني أنها التزام أيديولوجي لصياغة وتشكيل الحكومة، وفقاً للقيم الإسلامية هي حركة بعيدة عن الإرهاب الممارس، وربما أن لها وقعاً عالمياً، والعولمة بهذا المعنى تنتج بعض العموميات في الصيغ التي تأخذها في المحليات المختلفة. لذلك فإن الصيغ والأشكال الخاصة بالعمل السياسي الإسلامي بعيدة جداً عن الممارسات الإرهابية، وهي براء منها براءة الذئب من دم يوسف، وللأفارقة ممارساتهم الإسلامية السلمية البعيدة جدا عن الإرهاب وأهله.
&