سمير عطا الله

قرأت تحقيقا عن تطورات الوضع في سوريا ومواقف تركيا وأميركا والعراق والتحالف. قرأته في عناية، إنه يفترض أن صاحب التوقيع قريب من مصادر كثيرة. ومن سطر إلى فقرة تأكدت أن الرجل يملك معلومات مهمة وكثيرة. غير أنني لم أفهم شيئا من كل ما أورد، ولا أدركت ماذا يريد أن يقول بالتحديد، أو بالأحرى إن كان يريد أن يقول أي شيء على الإطلاق.


والسبب أن الرجل يكتب تعليقا، لا تحقيقا. يطويه ثم يكويه ثم ينشره؛ لأنه يرفض أن يكون مخبرا أو صحافيا. إنه أكبر من ذلك. ولذا، لا بد أن تتعب وأنت تقرأ، وأن تلتوي مع التواء الفقرات في مقال بلا عمود فقري.


في أيامنا، الشرط الأول في الصحافة كان الوضوح، والثاني كان الدقة، والثالث أن تُغني القارئ بما لديك، لا أن تلوي عنقه. لا تتعجل. سوف يكون لديك الوقت لأن تصبح كاتبا ذات يوم. لكن هذه البداية خطأ لا يُغتفر. ألاحظ أن الصحافيين الناشئين في لبنان يبدأون خبر وقوع جريمة بعظة حول تدهور الأخلاق. وهذه أخلاق حميدة، لكن يُستحسن أن تورد في نهاية الخبر. أما بدايته، فيجب أن تروي أن جريمة حدثت وأن الضحية امرأة، والمرأة زوجة، والمتهم بالقتل هو الزوج. وبعدها نبدأ في الحديث عن تفشي العنف الأُسري.


لا يمكن أن تقرأ نصا إخباريا بادئا بعظة، أو باستنكار، في صحيفة أجنبية. ما يزال المحرر الأجنبي يفترض أنك لا تعرف ما يريد إخبارك به، ولذا، يجب أن تكون الفقرة الأولى والثانية والثالثة.


قتل زوج زوجته، هذا، في الصحافة خبر هام. وفي عائلة الفريقين هو مأساة. وفي المجتمع اللبناني هو جزء من ظاهرة بشعة، في جملة الظواهر السياسية والاجتماعية الأخرى. لكن المحرر لا يمكن أن يبدأ كتابة الخبر بالندب، ولا بمعالجة الظاهرة. هذا الجزء يُترك - إذا اقتضى الأمر - لمقال افتتاحي باسم الجريدة كلها.


لعلنا نبالغ في الحرص على الأصول والقواعد. ولعل قارئ اليوم مثل صحافي اليوم لا يلقي بالا لمثل هذه التفاصيل. لكن مثل هذا التواطؤ بين الفريقين يهدد الصحافة، وليس «الإنترنت» من يهددها. لا تقوم مهنة، ولا مبنى، ولا سيارة، ولا بركة، بلا قواعد.