يوسف الكويليت


جميل أن يتوحد العالم ضد الإرهاب، ونرى مظاهرات مليونية في فرنسا حشدت قادة ومندوبي دول بمشاركة فريدة من نوعها من معظم الدول بما فيها العرب والمسلمون، لكن لماذا تأخر هذا التحرك الدولي، وكيف نسوا دعوات تحدث عنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، وبأن الإرهابيين سيضربون داخل المدن الأوروبية وغيرها، هل هي الثقة بالنفس المطلقة، وأن ميدان الإرهاب محصور بمناطقه التي تأهلت لأن تصبح ميدان استقطاب مختلف الجنسيات وإدارة المعارك، وكيف نسوا أن إهمال القاعدة قاد لأحداث ١١ سبتمبر، وتجاهُل داعش وتوابعها أدى لضرب مجلة «شارلي إيبدو» وربما يكون مقدمة لأعمال إرهابية أخرى؟

تأجيج السعار من جديد على الإسلام والمسلمين، والمطالبات بطردهم والتضييق عليهم في المهاجر وخروج نفَس استعدائي عنصري، لا تخدم أي طرف لأن الوقائع أثبتت أن الأمن العربي - الأوروبي لا يتجزأ، وأن عولمة الإرهاب مثل عولمة الدعايات المستهترة بعقائد ومثُل العالم طالما الحرية تبقى في حدود الاحترام المتبادل، وما ينطبق على المجتمعات الأوروبية بإطلاق حرياتها لا تلتقي مع غيرها التي لديها حساسيات حادة فيما يخص رموزها ومقدساتها..

فرنسا في حالة حرب، ولا يوجد إنسان عربي أو مسلم يحب السلام إلا ويدين هذا الفعل الإجرامي، لكن هل عولجت الأسباب قبل بروز النتائج، ولماذا لم تسمع أوروبا وغيرها لمن تنبأ بهذه الوقائع قبل حدوثها، وكيف تُركت سورية والعراق ثم ليبيا واليمن لتكون مراكز إيواء وتسرطُن لتلك العناصر، دون أي عمل دولي يحشد قواه بضرب مراكز العصب الإرهابي وخاصة نظامي الأسد ومالكي العراق، وحتى سلسلة الضربات الجوية التي بدأت قبل عدة أشهر لم تقهر داعش وتنامي القاعدة، وأن تواطؤاً، نشرت تفاصيله بتبني دول أوروبية تسهيل سفر الإرهابيين منها عبر تركيا، أو السكوت عليها بزعم التخلص منهم لمواقع خارج قارتهم؟

أجواء (١١) سبتمبر بدأت تعود بحمى جديدة ومخيفة، مراقبة كل عربي ومسلم والتجسس عليهم من مختلف الوسائل، وإعادة النظر بالقادمين والمسافرين من منافذ الدول الأوروبية الجوية والبحرية، وهي حالة احتقان كرد فعل على ما حدث، لكن ذلك لن يكون النتيجة المنطقية لإزالة شبح الإرهاب عن الجميع، طالما البديل الموضوعي هو التعامل مع دول المنطقة التي أصبحت في قلب المعركة في مكافحة هذه العمليات وعدم توسعها، والاستفادة من تجارب سابقة يمكن أن تجعل العالم أكثر سلاماً لو تنازلت تلك الدول عن كبريائها وتصوراتها..

كثيرون نادوا ودعوا لحل المسألة السورية من بدايات أحداثها، وكانت المزايدات بين مختلف الأطراف أكثر من البحث عن مخارج لدرجة أن نواة الجيش الحر والمنظمات التي رافقته في تشكيل قوة تجبر الأسد على التنازلات والحوار والخروج بعمل يصون وحدة سورية، رفضت لأن هناك من رآها استنزافاً لروسيا وإيران، وإطالة عمرها ستجبر البلدين على حل الإشكال، وهناك من اعتقد أن زوال الأسد سيجعل سورية كلها مركزاً للإرهاب ودعاوى أخرى أضاعت الفرص فكانت النتائج وصول الإرهابيين إلى فرنسا ومن ثم أوروبا، والموضوع لا يقبل أنصاف الحلول إذا ماعرف الجميع أن أذرعة الإرهابيين تطالهم بدون استثناء.
&