يوسف الكويليت

العراق لا يحتاج لمن يعيد قراءة تاريخه والتحامه بمحيطه العربي رغم عقود من المد والجزر أثناء القطبية الثنائية والأحادية، وقد عرف كيف أصبح ميدان قتال وانقلابات وخلافات حزبية وسياسية انتهت إلى نزاعات وحروب طائفية، ما يعني ان السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي يواجه أثقالاً كبيرة في بناء العراق الموحد طائفياً وأمنياً واقتصادياً، وقد اعترف أن الفساد الذي عم جميع المؤسسات الحكومية بما فيها الجيش أدى إلى هزيمته، وأن الانعزال عن أمته العربية وتحول بلاده إلى فتح ممرات نحو نزاعات طائفية مع محيط سني وفرا لعناصر الإرهاب أن تكون مصدر القوة في تحولات العراق إلى بلد مأزوم..

الجيد في مساعي العبادي وصول رئيس الجمهورية إلى المملكة العربية السعودية والذي أثمر عن تواصل جديد سيعيد فتح السفارة في بغداد، وهي بادرة لا ننظر إليها من زوايا المد والجزر السياسيين فترة حكم النظام السابق، وإنما التأكيد أن الخلافات عابرة، والإخاء التاريخي والجوار ومبادئ المصالح الاستراتيجية تفرض أن تكون هي الأساس على أن تعاد العلاقات وفق أسس جديدة تراعي مختلف الظروف لكن بإعطاء الثقة الدور الأهم، لأننا بمراجعة سوابق الماضي وجدنا أن نزعة الخلافات لا تبررها مواقف خطيرة بل مجرد قرارات عاطفية لغرائز متأججة..

الخطوة الثانية التوجه لمصر، وهي التي تقود سياسة جديدة بمعيار المصالح العربية، وقد كان العبادي صريحاً في مواجهة المسؤولين هناك، وكذلك الصحافة حتى إن زيارته لفضيلة شيخ الأزهر ومطالبته بفتح حوار جاد بين الأزهر والنجف لخلق مناخ جديد لسد الثغرات والنعرات وحرب الطوائف، تحتاج إلى إرادة حقيقية لا (تقية) أو هدنة تعود بعدها سلسلة الاتهامات والمؤامرات وحشد الأئمة والمشايخ في تبرير الطعن بالصحافة، أو تكفير طائفة لأخرى، وهذا عمل سبق أن وفر له خادم الحرمين الملك عبدالله إطاراً من التفاهم والحوارات بين الديانات الثلاث وأتباع الأديان الأخرى، وركز على حسم الخلافات بين المذاهب وفق إطار موضوعي يوقف التباينات بينها طالما الجميع يدين بالإسلام ويتفق بالإجماع على أركانه وأسسه، وهذا لا يمنع من أن تكون الحوارات مفتوحة على مختلف الآفاق دون فرض رأي على آخر..

العراق الحالي يريد إعادة بناء مؤسساته الداخلية التي تهدمت وأخطرها ضياع وتشرذم أجهزته الأمنية والعسكرية، ولذلك حين احتاج لمعونة عدة دول عربية في إعادة تدريبه وتسليحه كانت الاستجابة سريعة طالما أكدت الظروف أن الأمن المشترك هو عامل أساسي في استقرار المنطقة كلها، والأغرب أن العقود الماضية من القطيعة، ثم عودة العلاقات وكل ما صاحبهما من طفرات سياسية ظلت في هذا الإطار، ولم نعرف أن السنة والشيعة كانوا على خلاف في الداخل والخارج إلاّ ما يتبناه بعض المتطرفين لكنه تصاعد بشكل مؤلم للجميع وتوسع خارج الدائرة الصغيرة ليشكل مأزقاً إسلامياً عاماً..

لا نحتاج للاستشهاد بالضرورات التي تحتم إعادة العلاقة مع بلد عربي يعد إحدى ركائز الجامعة العربية، وأمتها وإنما نحتاج إلى تصحيح مسارات الخطأ لتأكيد الصواب، وهذا لا يمنع من أن نختلف ونلتقي وفق ما تفرضه اشتراطات أمننا ومبادلاتنا الاقتصادية والثقافية، وهي معيار النجاح لأي عمل يجسد أمنه وأمن جواره بحقائق الوجود وحرية القرار للجميع..
&