& بيروت - أسرار شبارو


• هاجمتُ الفساد في قضايا كثيرة ... وتعرضتُ كثيراً للترغيب بالرشوة وللترهيب بالتوقيف

• برنامجا «الفساد» و«التحرّي» أعطياني هامشاً كبيراً من الحرية لمهاجمة معاقل المفسدين

• ناقوس الخطر يقرع ... وأخشى أن يقع «الهيكل» في لبنان وتتدحرج الحجارة فوق رؤوس الجميع

• بعض الوزراء مشاركون في الفساد ... وينتقدونه في وسائل الإعلام!


غادة عيد إعلامية لبنانية لا تكتفي بالبريق ... بل تنفذ خلفه كي تمارس مغامرة البحث عن «المتاعب»!

وليس أصعب على إعلامية مثل غادة عيد من أن تختار لنفسها مهمة «انتحارية» غالية التكلفة وباهظة الضريبة ... ألا وهي القفز خلف خطوط «الفساد المستفحل» ... ومصارعته في عُقر قلاعه المحصنة!

وإذا كان الفساد صار «حديث اللبنانيين» اليوم بعد الحملة التي أطلقها وزير الصحة وائل أبو فاعور تحت عنوان «سلامة الغذاء»، قبل أن تستتبعها حملات في وزارات أخرى، عكست انطلاق ما يشبه «الثورة البيضاء» في «بلاد الأرز»، فإن الإعلام اللبناني سبق أن انخرط في هذه «المعركة»، ولكن صوته بقي أعواماً مجرّد «صرخة في البراري».

ملفات فضائحية «تفجّرت» إعلامياً مرات ومرات، وكانت تقفز إلى الواجهة، ثم سرعان ما تنكفئ وكأن «لا حياة لمَن تنادي» في ظل غياب «القرار السياسي» بالمحاسبة وفتح الباب أمام قفل مسارب الهدر والفساد في قطاعات وإدارات تحوّلت إلى «دجاجة تبيض ذهباً» لبعض المتنفعين.

غادة عيد من أبرز الإعلاميين الذين رفعوا الصوت وحملوا لواء مكافحة الفساد بجرأة عبر برنامج متخصص (اسمه «الفساد» عبر شاشة «aljadeed») أثارت معه قضايا ساخنة وطرحت عبره «بالأسماء» مشكلاتٍ جلب بعضها لها «المتاعب»، ولكنها ... لم تتعب.

عيد تحدثت إلى «الراي» عن «معركتها المبكرة» مع «عالم الفساد» التي أطلقتها قبل نحو عشرة أعوام من دون أن تتمكن من «حسْمها»، موضحةً أن «الفساد في لبنان نظام حكم، فالأسلوب الذي يُحكم به البلد قائم على الفساد الذي بات معمماً، وأكبر دليل على ذلك أن بعض الوزراء أصبحوا يتحدثون عنه بكل وقاحة»، وتساءلتْ: «ماذا تركوا للمواطن والإعلام؟ إنهم يتحدثون عن الفساد وهم مشاركون فيه وفي الحكم منذ أعوام طويلة. لقد أسسوا لهذه الثقاقة ولهذا النهج، ومع ذلك ينتقدونه عبر الشاشات، وهنا تكمن خطورة الأمر».

تقول عيد: «في الماضي كان الوضع مختلفاً عما هو عليه اليوم»، وواصلت: «عندما بدأتُ باقتحام أبواب الفساد أحدثتُ صدمة لدى المسؤولين الذين لم يعتادوا تسمية الأمور بأسمائها، وتمت محاربتي من الجميع، لكننا الآن بتنا نرى وزراء يتكلمون عن الفساد».

عيد طرحتْ مثالاً بالحملة التي يقوم بها الوزير أبو فاعور قائلة: «إذ سمعنا الوزير يسمي المطاعم ومحال السوبر ماركت التي تبيع أغراضاً فاسدة بأسمائها، لكنه لم يقل ما السبب وراء ذلك، ولم يقل إن هناك مراقبين صحيين فاسدين داخل وزارته، وأن موظفين كباراً فيها فاسدون أيضاً، وقد أقدمتُ على فتح ملفات عدة لهم».

وفي رأيها أن من واجبات المسؤول «أن يعالج لا أن يظهر على الشاشات ويعلن الأسماء، فالإعلام هو مَن يعلن، أما الوزير فعليه اتخاذ الإجراءات في المكان الصحيح وتفعيلها مع الجميع»، واستطردتْ: «ما يحصل في لبنان هو فتح الملف الذي يريده المسؤولون وفي التوقيت الذي يريدونه، ثم يعملون على إغلاقه متى يشاؤون، وهذا لا يوصل إلى مكان في معالجة الفساد التي تكون أو لا تكون».

لا توجد «مغارة واحدة لعلي بابا» في لبنان - بحسب عيد - بل «مغاور علي بابا» وتردف: «لذلك المهمة تصعب يوماً بعد يوم، حيث يتم الكشف عن بعض الفاسدين الصغار، ما يدفعنا، مع الأسف إلى التعاطف معهم لأنه لا توجد عدالة في المحاسبة، إذ يبقى الفاسدون الكبار بعيدين عن المحاسبة، فسهام العدالة لا تصيبهم».

وفي رأي عيد «أن أكثر الأماكن التي يوجع فيها الفساد هي حين يكون هناك فاسدون في السلك القضائي، فإذا صودف موظف لديه ضمير وقام برفع دعوى ما، نجد أن المسار القضائي يتوقف أحياناً كثيرة في مكان ما. نعم هناك مَن يقومون بعملهم في أجهزة الدولة ويحيلون تقارير على القضاء، ولكننا نجد أن هناك ملفات تُغلق، كما أن المحاسبة انتقائية، فإذا سُحبت الخيمة من فوق رأس أحد تتم محاسبته، وإذا لم تُسحب يظل محمياً».

وتضيف: «هذا الفساد يؤثر في كل البلد، ونهوض المؤسسات، ومن هنا ركزتُ وما زلتُ على السلك القضائي، لأن القضاء للأسف ليس بخير».

أسباب الفساد، بحسب عيد، هي عدم وجود هيكلية دولة ومؤسسات فـ «مثلاً الوزير هو النائب، ولذلك لا أحد يحاسب أحداً، وكل البنود التي تحارب الفساد في اتفاق الطائف لم تُطبق ومنها إلغاء الطائفية السياسية وإلغاء المركزية الإدارية واعتماد النظام اللامركزي وإنشاء مجلس شيوخ وغيرها، وهذا ما أسس لثقافة فساد تكبر يوماً بعد يوم».

ووفقاً لعيد فإن البلد مقسّم بين مجموعة من الطوائف تقوم على المحاصصة في ما بينها، «والنائب ولاؤه لزعيم طائفته وليس للدولة ولخدمة المواطن، والأمر لا يتوقف على النواب، فعند تعيين القضاة والضباط وغيرهم في مواقع الدولة نجد أن السياسيين يقفون خلف تعيينهم».

وترى أنه يجب أن تنتقل عدوى مكافحة الفساد من وزارة الى أخرى «على أن يبدأوا من داخل وزاراتهم، علماً أن الفساد بدأ يرمي بسهامه على الفقراء والمظلومين، سواء في ملف النازحين، أو ملف الشؤون الاجتماعية، أو ملف السجون وغيرها، وكلها فيها فساد وظلم، وهنا الخطورة، أي أن الفساد لم يعد يقتصر على المال، بل بات يصيب البشر مباشرة».

عيد تحدثت عن «أن الصحافي والإعلامي يواجه وحده الصعوبات عند فتح أي ملف، فلا يوجد مَن يدعمه، ولا توجد جهة آمنة ونظيفة من الموجودين في الحكم بالإمكان الاستناد إليها، وحينها يضطر إلى فتح ملفات الجميع. السياسيون مهما اختلفوا في النهاية سيجتمعون ويحاسبون الإعلامي، لأنهم لا يريدون أن يتحدث أحد عن الفساد. نعم يشعر الإعلامي بأن الناس معه لكنهم لا يتحركون بشكل جيد لمواجهة السلطة».

وأما عن أهمّ ملف قامت عيد بفتحه فقالت إنه «سوكلين» الذي «يُعتبر من الملفات المزمنة المفتوحة الآن في الحكومة»، مكملة: «إن هذه الشركة يُجدد لها منذ أعوام، بالإضافة إلى ذلك هناك العديد من الملفات التي فتحتُها في برنامج (الفساد) وموقع (التحري) الإلكتروني الذي أشرف عليه والذي يحتوي على توثيق أكبر للملفات التي لن أتوقف عن الحديث عنها. وحتى لو لم تنل هذه المواضيع الاهتمام المطلوب، فإنها وبالتأكيد ستعلّم الأجيال الصاعدة كيف تختار زعماءها بعد توضيح الصورة لهم بالكشف عمّن سرق وأفسد البلد».

وعن الملف الذي ترغب في فتْحه، تقول عيد: «لا يوجد موضوع استطعتُ الحصول على معلومات موثقة عنه ولم أفتحه، من السلك القضائي إلى الأمن إلى المحاكم الروحية والمذهبية وغيرها، وصولاً إلى أي حالة ظلم تقع على إنسان وإن كان خلفها أكبر المسؤولين المتسلطين في البلد، سواء انتموا إلى 8 أو 14 آذار. أنا دائماً أعتمد على الوثائق كي أستطيع الاستمرار بقوة في عملي».

عيد قالت عن مدى تأثير برنامجها في الرأي العام ومكافحة الفساد: «الأهمّ هو كسر حواجز الصمت. حين بدأ بث البرنامج قبل 10 أعوام، لم يكن أحد يجرؤ على أن يقول كلمة عن السلك القضائي، وما يتحدث عنه الوزير أبو فاعور اليوم تحدثتُ عنه حينذاك، فتناولتُ الفساد في وزارة الصحة ومراقبيها الصحيين، وورُفعت ضدي دعوى بالقدح والذم، وخسرتُ المعركة قضائياً، والمعركة كانت مع مديرين في عهد الوزير سليمان فرنجية متورّطين مباشرة في الفساد، وإلى الآن ما زال أحدهم إلى جانب الوزير أبو فاعور، وهو من أكثر المتورطين في قضايا فساد».

وحول حملة السجالات بين أبو فاعور ووزير الاقتصاد آلان حكيم علقت: «هذا دليل صحة من ناحية، إذ فليتساجلوا كي نعلم أخبارهم المستورة، ومن ناحية ثانية هو دليل عدم جدية لأنه عند اتفاق الرئيس أمين الجميل والنائب وليد جنبلاط انتهى السجال، والأهمّ من هذا أن يتعاونا معاً، لأنه في النظام الإداري اللبناني هناك الكثير من التشابُك في الصلاحيات بين الوزارات، ولذلك من الأفضل التنسيق بينها مع تحديد المسؤوليات في الأنظمة الإدارية المعمول بها، كي لا تُرمى الكرة في ملعب الوزارة الأخرى عند وقوع أي خطأ».

وعما إذا تعرّضت لمحاولات رشوة خلال عملها أجابت: «محاولات الرشوة أسلوب دائم، أولاً تعرضتُ لترهيب كبير من خلال مذكرة توقيف قضائية كنتُ أقوى منها، وفي محطات أخرى تعرضتُ لترغيب، لكن عندما يكون للإنسان مبدأ وهدف معين لا يبالي بشيء».

عيد تمنّت أن تظهر منابر إعلامية جديدة تستفيد من الثورة التكنولوجية على مستوى الإعلام، «كي تكون لدينا منابر حرة أكثر، فمن خلال تجربتي في موقع (التحري) استطعتُ أن يكون لديّ هامش يومي كبير من الحرية لمتابعة القضايا، كما يمكن للصحافيين أن يكون لديهم منابر للتعبير عن آرائهم من دون الحاجة إلى وسيلة إعلامية تابعة لأحد تلغي آراءهم إن لم تعجبها».

واعتبرت أن «مغارة الفساد لا يمكن إغلاقها في ظل النظام الحاكم، لذلك وبقدر استطاعتنا يجب توسيع مساحة الوعي عند الناس، على أن يكون الإعلامي الذي يتحدث عن الفساد على مسافة واحدة من الجميع، كي يتقبله الناس بعد أن يقتنعوا بأنه غير مسيس وغير استنسابي».

وتختم غادة عيد بقولها: «ناقوس الخطر يقرع، ولم يعد باستطاعة الدولة أن تكمل هكذا كي لا يقع الهيكل وتتدحرج الحجارة فوق رؤوس الجميع، إذ عندها لن يسْلم أحد. في النهاية الفساد في لبنان وخارجه هو مَن رمى الفقراء في حضن الإرهاب وهو مَن رمى المعوزين في حضن الجريمة، وما يحصل في مختلف الدول العربية أكبر دليل على ذلك. من هذا المنطلق لا شخص ولا برنامج يكفيان لمحاربة الفساد، بل لا بد من ثورة إعلامية وشعبية لمكافحته، وإلا فليس هناك أمل للقضاء عليه».

&