فايز سارة

«تقرير السوريين لمصيرهم»، ربما هي المقولة الأكثر تداولاً في طروحات حل القضية السورية، خصوصًا لجهة الحل السياسي، وقد دأب على استخدامها مسؤولون دوليون، بينهم بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثوه إلى سوريا، إضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية، ومسؤولون كبار في دول عظمى، بينها الولايات المتحدة، من أوباما إلى كيري، ومسؤولون روس بينهم بوتين ولافروف، ومسؤولون كبار في دول عربية وأجنبية، كما وردت المقولة في وثائق كثيرة جرى طرحها في سياق معالجة القضية السورية، بما في ذلك بيان البنود التسعة الذي صدر عن اجتماع فيينا الأخير عند الحديث عن حقوق الشعب السوري ودوره في تقرير مستقبله!
غير أن أكثر من استخدم هذه المقولة كان الروس والإيرانيين لدرجة فاقت استخدام السوريين لها، سواء كان نظام الأسد الذي استخدمها قريبًا من الاستخدام الروسي - الإيراني، أو كانت المعارضة بقواها المختلفة، بما فيها الائتلاف الوطني، باعتبارها تكريسًا لشعارات الشارع السوري، لا سيما شعاره الرئيسي «الشعب يريد إسقاط النظام»، الذي كان يعني دور السوريين في تغيير نظام الأسد حصريًا بما عُرف عنه من ديكتاتورية ودموية، عبرت عن نفسها بأبشع الصور في نحو خمس سنوات.


لقد اقترن الاستخدام الروسي - الإيراني لهذه المقولة بأمرين اثنين؛ أولهما تأكيد شرعية النظام وشرعية رئيس النظام باعتباره منتخبًا من السوريين، وأن الأخيرين هم المعنيون بالتغيير، سواء تغيير النظام أو رئيسه، وكان الروس والإيرانيون في هذا يتجاهلون ملايين الأصوات التي خرجت في مظاهرات سلمية حاشدة طوال أكثر من ستة أشهر، مطالبة بالحرية وتغيير النظام ورحيل رئيسه، والأمر الثاني الوقوف في وجه التأثيرات الخارجية على الوضع السوري، سواء لجهة اتخاذ قرارات دولية من شأنها إضعاف نظام الأسد ثم إسقاطه، أو استجابة لبعض شعارات طالبت بالتدخل العسكري الأجنبي لإسقاط النظام.


غير أنه لا الروس ولا الإيرانيون احترموا من جانبهم مقولة «حق السوريين في تقرير مصيرهم»، لأنهم، ومع الانطلاقة الأولى لحركة الاحتجاج الشعبي في درعا في مارس (آذار) 2011، انحازوا لموقف نظام الأسد، ووقفوا معه من الناحية السياسية، قبل أن يشرع الطرفان في تقديم مساعدات هدفها تقوية مؤسسته العسكرية - الأمنية ومساعدتها في القضاء على الحراك الشعبي، فقدموا له الأسلحة والذخائر، قبل أن يتوزّع الطرفان مهمات الدعم الأوسع، فأخذ الروس على عاتقهم مهمة الحماية السياسية في مجلس الأمن والمنظمات الدولية إلى جانب التسليح، فيما أخذ الإيرانيون خط الدعم المادي في تقديم المساعدات المالية والاقتصادية إلى جانب دفع الميليشيات التابعة لهم، مثل حزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية العراقية، قبل أن يدفعوا متطوعين إيرانيين وأفغانًا، وقوات من الحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني، للقتال إلى جانب قوات الأسد في معظم المحافظات السورية، فيما ذهب الروس لاحقًا إلى تطوير مهمة دعم نظام الأسد بالتدخل العسكري المباشر في سوريا عبر إقامة قواعد جوية وبحرية وبرية وإرسال طائرات وقطع بحرية وآلاف الجنود والخبراء للحرب ضد المعارضة، تحت شعار الحرب على «داعش»، وتسبب قصف الطائرات الروسية في الشهر الأول من التدخل في مقتل مئات من السوريين أغلبهم من المدنيين في ست محافظات تكاد تكون خالية من عناصر تنظيم داعش.


ويبدو أن الاستخدام الكثيف لأكذوبة «تقرير السوريين لمستقبلهم» من جانب الإيرانيين والروس ألقى بظلاله على موقف المجتمع الدولي، بما فيه المنظمات الدولية، وغالبية «الدول الصديقة للشعب السوري»، فمضت هي الأخرى إلى تقرير مصير الشعب السوري بعيدًا عنه، وقد تكرست تلك السياسة في استبعاد مشاركة السوريين في الاجتماعات التشاورية حول القضية السورية، وبينها الاجتماعات الأخيرة التي انعقدت في «فيينا1» وباريس و«فيينا2»، حيث لم تحضر الدول الأكثر صلة بالقضية السورية، بل دول هامشية في التأثير على الموضوع السوري، وغاب ممثلو الشعب السوري، بمن فيهم الائتلاف الوطني السوري الذي تعترف أكثر من مائة وعشرين دولة عبر العالم بأنه ممثل الشعب السوري.


وإذا كان من الصحيح أن بعض الحضور، مثل السعودية وتركيا وقطر، هم الأقرب إلى التعبير عن مطالب السوريين وموقفهم من حل القضية السورية، فإن ذلك لا يكفي، لأنه، وفي كل الأحوال، لا بد من حضور ممثلي الشعب السوري باعتبارهم الحامل المباشر لأي حل يمكن أن تتمخض عنه مشاورات ممثلي الدول المشاركة في الاجتماعات.
&