مأمون فندي

اغتيال زهران علوش أشاع حزنًا عند فريق في عالمنا العربي وفرحًا عند فريق آخر، وربما المشاعر نفسها حدثت عند الفريقين عند اغتيال سمير قنطار. ولكن ما لم يدركه الفريقان هو أن الاغتيالين جزء من عملية واحدة وليس من عمليتين مختلفتين، وأن هذين الحادثين ليسا نهاية بل بداية في سلسلة اغتيالات ضد القادة الميدانيين ممن يقفون عقبة في طريق الحل النهائي للأزمة السورية حتى لو كان من يقف ضد حلول القوى العظمى رجلاً يقف على رأس السلطة في سوريا وهذا ما عنيته في مقالي السابق في هذه الصحيفة بعنوان «لحظة الحقيقة في سوريا».


لنفترض أننا أمام عملية ممسرحة للقوى العظمى، وهي الفاعل الأساسي الآن في سوريا وليس النظام أو القوى الميدانية المتحاربة مع الأرض، ولنفترض أيضًا أن النظام السوري يريد البقاء، وأن سمير قنطار أراد أن يقوم بعمليات ضد إسرائيل في الجولان، فلن يكون مستغربًا أن يقضي الروس عليه في عملية تم التنسيق فيها بين روسيا وإسرائيل. قد يبدو هذا سيناريو مبالغًا فيه، ولكن إذا كانت اللعبة أكبر من الأسد فهو سيقبل بمقتل سمير قنطار ولا ينبس ببنت شفة إذا كان يريد البقاء. إذن رسالة روسيا للأسد هي «سنضمن لك البقاء، ولكن لا شغل لك بما نفعل»!
هذا فيما يخص سمير قنطار، فما هو الحال بالنسبة لزهران علوش؟
زهران علوش قيادي ميداني سلفي لم يصل لمرحلة «داعش» أو «القاعدة» بدليل مشاركته في مؤتمر المعارضة السورية في الرياض. واغتياله أيضًا بعد مؤتمر الرياض هو جزء من تمهيد الأرض الذي كتبت عنه الأسبوع الماضي للوصول إلى لحظة الحقيقة في سوريا. تمهيد الأرض هو إيصالنا إلى خيار بعد سلسلة من الاغتيالات لقيادات شيعية وسنية في سوريا أن يختار العالم بين «داعش» والنظام، وإذا ما خير العالم في تصور للحل النهائي في سوريا بين «داعش» والنظام فلن يختار أحد «داعش» وبهذا يكون الروس قد أوفوا بعهدهم للنظام ببقائه.


ربما كان واضحًا في الكتابات المحسوبة على حزب الله بعد اغتيال سمير قنطار امتعاضها من الأسد واتهامه ربما ليس بشكل مباشر بأنه ترك قادة الميليشيات المؤيدة لنظامه من عماد مغنية إلى سمير قنطار ليلاقوا حتفهم، وهناك تخوف من أن البقية تأتي. كانت هناك اتهامات لنظام الأسد بأنه ضالع في اغتيال عماد مغنية أو تسهيل عملية اغتياله حتى لا يدخل النظام في لعبة أكبر منه، وربما الشيء نفسه حدث مع سمير قنطار أو هكذا يفترض السيناريو الذي أطرحه.


واضح أن الولايات المتحدة الأميركية، التي انخرطت في معركتها الداخلية فيما يشبه الحرب الأهلية في سوريا ولكن من خلال صندوق الانتخابات بين الجمهوريين والديمقراطيين، قد أوكلت أمر سوريا إلى تنسيق روسي - إسرائيلي. وبهذا سنرى المزيد من الاغتيالات للقادة الميدانيين ممن يقفون حجر عثرة ضد الاتفاق المزمع التوصل إليه في فيينا.


إذن القضية ليست فريقًا يفرح لأن فريقًا آخر اغتال علوش، وفريقًا آخر يهلل لاغتيال قنطار، فكلا الفريقين الآن ليس لهما لا في العير ولا في النفير، فاللعبة تجاوزت الإقليم وتجاوزت عالم الهتيفة.


اللعبة الأهم، كما ذكرت في المقال السابق، هي أن العالم لم يعد يقبل بالسباكة الإقليمية التي تشد فيها السيفون في إدلب، فتصل المخرجات من النفايات إلى باريس أو لندن أو نيويورك. الغرب لا يستطيع أن يتعايش مع درس آخر مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 أو أحداث لندن في 7 يوليو (تموز) 2005 أو أحداث باريس الأخيرة، وربما ضاق الغرب ذرعًا بسيل اللاجئين الذي اختلط فيه «داعش» بالنابل والحابل. الثمن غالٍ. لذا لا بد لهذه الأزمة من نهاية ولو كان عن طريق سلسلة من التصفيات الجسدية.


الفرقة الناجية في الأزمة السورية هي التي تمشي مع اللعبة الكبيرة (The Big Game) أما من يريد لعب الكرة «الشراب» في مباراة دخلت في كأس العالم فهو من يفكر تحت قدميه فقط ولا يرى الصورة الكبيرة، هذا على مستوى الدول، أما على مستوى المشجعين من الجماعات المختلفة، شيعة أو سنة أو ما بينهما، فالفرق في تشجيع اللاعبين المحليين من نوعية أبو تريكة على حساب ميسي ورونالدو فهذه شيفونية سيدفعون ثمنها عندما يكتشفون في نهاية اللعبة أن مسلسل الاغتيالات لن يتوقف عند أحد! أيًا كان هذا (الأحد)، إذا ما وقف بين القوى العظمى وحل نهائي للأزمة في سوريا.


لقد وصلنا إلى لحظة الحقيقة. ويبدو أن آخر العلاج ليس الكي بل سلسلة من الاغتيالات المنظمة التي تجعل الملعب مستويًا لحل نهائي وإلى الأبد.
&