مع انتهاء العام 2015 دخل الشرق الأوسط مرحلة مختلفة تمثّلت في عملية تبادل سكّاني في سوريا.

انّها بداية تاريخ جديد للمنطقة وفتح لصفحة عنوانها التطهير المذهبي برعاية دولية. نعم، برعاية دولية.

ما شهدته السنة المنصرمة ينبئ بسنة حبلى بالأحداث المرعبة، خصوصا في سوريا التي تحوّلت «ساحة» اختبار وتجارب لكلّ الأسلحة، خصوصا بعدما بدأت ايران تمارس لعبة التطهير المذهبي، فيما يعتقد فلاديمير بوتين ان هذا البلد صار الحقل الأفضل لفعالية الأسلحة الروسية وتنفيذ مناورات بالذخيرة الحيّة تطلق على ناس حقيقيين.

من اعجبته 2015، سيغرم بـ2016 التي ستكرّس وجود مجموعة من الدول العربية الفاشلة في المنطقة ودولة واحدة ما زال في الإمكان انقاذها. هذه الدولة الممكن انقاذها هي لبنان.

سيكون مطلوبا انقاذ لبنان في 2016، على الرغم من دخول المنطقة مرحلة التطهير المذهبي العلني وعلى الرغم من ان الثمن الذي سيتوجب دفعه سيكون غاليا. ما نشهده حاليا في سوريا، في الزبداني وفي كفريا والفوعة تحديدا، تطوّر في غاية الخطورة يعطي فكرة عمّا ينتظر الشرق الأوسط، كما يعطي فكرة عن وجود قوى خارجية تعمل على تفتيت دول الإقليم، على رأسها سوريا. هناك تهجير لسنّة من مناطق محدّدة تشكّل امتدادا لمنطقة نفوذ «حزب الله» في لبنان وتهجير لشيعة في مناطق سورية معيّنة معرّضة لمجازر، وهناك انتقال لـ»داعش» من منطقة الى اخرى بموافقة النظام، ممثّلا بالقيمين عليه في موسكو وطهران طبعا، ورعايته. تكشّفت اخيرا لكلّ من لديه ادنى شك في ذلك العلاقة العضوية بين النظام السوري و»داعش» وكلّ ما شابه «داعش» وارهابه.

في كلّ مكان حلّ فيه «الربيع العربي»، باستثناء المغرب والأردن...

يصعب حصر 2015 بحدث واحد. هناك مسلسل لا يزال في بدايته تخلله وصول الرعب الى باريس.

لم يعد هناك من يستطيع احصاء عدد حلقات المسلسل الذي شمل عمليات تطهير في العراق كان التركيز فيها على السنّة العرب شنّتها ميليشيات مذهبية مدعومة من ايران... وتهجير مئات آلاف السوريين في اتجاهات مختلفة، من بينها اوروبا.

ما نشهده حاليا اكبر مأساة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية، في ظلّ ادارة اميركية اختارت دور المتفرّج عن سابق تصوّر وتصميم.

تستمرّ المأساة على خلفية توقيع الإتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني والتدخل العسكري الروسي في سوريا. يثير التدخل الروسي كثيرا من الأسئلة، خصوصا ان لا افق له في المدى البعيد باستثناء اغلاق الأراضي السورية وموانئها في وجه الغاز الآتي من الخليج... والانتهاء من الكيان السوري الذي عرفناه منذ منتصف الأربعينات من القرن الماضي.

لا تبشّر خاتمة 2015 بالخير. يبدو الآتي اعظم، لا سيّما أنّ هناك غيابا تاما للضوابط من ايّ نوع كان وانفلاتا الى ابعد حدود للغرائز المذهبية. في اساس الغياب للضوابط ادارة اميركية قرّرت اتخاذ دور المتفرّج من الأحداث في الشرق الأوسط من جهة والمشروع التوسّعي الإيراني من جهة اخرى، وهو مشروع يقوم اساسا على الإستثمار في كلّ ما هو مذهبي في الشرق الأوسط وصولا الى اليمن الذي يصعب ان تقوم له قيامة يوما.

هل يستطيع لبنان حماية نفسه وتحصينها في مواجهة الحريق الكبير الذي ينهش جسد المنطقة من جهة والرغبة الأميركية في التمتّع بمشاهدة الشرق الأوسط يتآكل من داخل؟

بعيدا عن التفاؤل والتشاؤم، لا بدّ من قول الاشياء كما هي. لعلّ اوّل ما يمكن قوله انّ الطريقة التي تصرّف بها «حزب الله» بعد اغتيال الاسير السابق سمير القنطار في سوريا لا تبشّر بالخير، لا لشيء سوى لأنّ ليس ما يشير الى انّ الحزب، الذي تقف خلفه ايران، على استعداد لتعلّم شيء من دروس الماضي القريب. انّه مستعد، من دون اعارة اي اهمّية لمصالح لبنان، لمتابعة الانغماس في الوحول السورية والغرق فيها الى ما لا نهاية. يفعل ذلك تحت ذرائع مضحكة مبكية من نوع «المقاومة» و»الممانعة» فيما حليفه الروسي على تنسيق تام في كلّ المجالات مع اسرائيل. يشمل هذا التنسيق حتّى ابقاء بشّار الأسد في دمشق كي يمكنه استكمال المهمة الموكولة الى النظام الأقلّوي الذي اسّس له والده منذ ما قبل العام 1970، تاريخ احتكاره للسلطة في سوريا وتجييرها كلّها لشخصه ولطائفته بغطاء من سنّة الريف.

في نهاية 2015، لاح في الأفق اللبناني بريق امل. لاح خيار انتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل فراغ مستمر منذ الخامس والعشرين من ايّار ـ مايو 2014.

في السنة 2016، سيظلّ السؤال الذي سيطرح نفسه بقوّة هل فوّت لبنان تلك الفرصة؟ هل كانت هناك فرصة بالفعل؟

في كلّ الأحوال، كشف ما مرّ به لبنان في نهاية 2015، خصوصا بعد وضع «حزب الله» نوعا من الـ «فيتو» على سليمان فرنجيه، ان الهدف الإيراني ليس تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية فحسب، بل تغيير النظام ايضا. تريد ايران بكل بساطة ضمانات بانّ لبنان سيبقى تحت وصايتها، بعدما فقدت وحدانية وصايتها على النظام السوري.

يأتي التغيير في التركيبة الديموغرافية لسوريا والذي يرمز اليه تهجير سنّة الزبداني منها، ليؤكد ان 2016 سنة كلّ المخاطر على لبنان واللبنانيين. الزبداني ليست بعيدة عن لبنان وتهجير اهلها عبر بيروت وباشراف دولي لا يدلّ سوى على دخول الأزمة السورية، ومعها المنطقة، مرحلة جديدة اشدّ خطورة على مستقبلها من اي وقت.