خليل علي حيدر

«وئام السعيد، سعودية عملت في إحدى المدارس الخاصة كمعلمة لمرحلة رياض الأطفال»، تقول صحيفة الحياة «تنقلت بين عدة مدارس، قبل أن تلتحق كمرافقة مع زوجها المبتعث ضمن برنامج الملك عبدالله للابتعاث، لتعود محاضرة في إحدى أكبر جامعات المملكة حاملة شهادة الماجستير من جامعة أميركية، وتستعد لتحضير مرحلة الدكتوراة».

لقد عرفت المملكة العربية السعودية إرسال الطلبة إلى الولايات المتحدة وأوروبا من قبل، ولكن البرنامج الذي تبناه الراحل الكبير الملك عبدالله بن عبدالعزيز كان ضخماً حقاً، يذكِّر الباحثين في شؤون التحديث والتنمية بما قامت به بعض الدول الآسيوية الكبرى كاليابان خلال ثورة الميجي، للحاق بالبلدان الأوروبية والدول المتقدمة. فعدد الطلبة والطالبات ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، تقول «منيرة الهديب» في الصحيفة، يبلغ نحو 150 ألفا وفقاً لإحصائيات 2013، منهم نحو 110 آلاف في الولايات المتحدة الأميركية، و14459 مبتعثاً في بريطانيا، و1380 في كندا، و8789 في أستراليا، و1143 في الصين، وآلاف الطلبة في دول أوروبية وآسيوية أخرى.

&

وربما كان هذا أوسع برامج المملكة والبلدان الخليجية في سبيل توسيع قاعدة الشريحة الاجتماعية المتوسطة وتعزيز الانفتاح الاجتماعي في البلاد.

رحيل الملك عبدالله جاء في فترة بالغة الأهمية، فلابد من استكمال مسيرة الانفتاح الداخلية التي قادها في أكثر من مجال، ولابد من الصمود في وجه الإرهاب الذي لن يسكن ولن ينام كما قد نتوهم، إذ إن خلاياه كامنة متربصة تنتظر بكل شراسة لحظة التراخي والغفلة. وإذا كان الكثير من أمن المنطقة العربية والخليجية قائماً على التعاون المصري - السعودي، والتنسيق العربي - الخليجي، فإن مسؤولية إدارة البلدين ستبلغ أقصى درجات الأهمية.

وإذا كانت الجماعات الإرهابية تهدد المنطقة الخليجية، مع مخاطر ومغامرات الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" شمال المنطقة وجنوبها، فإن نفس الأخطار تهدد التحولات الإصلاحية في مصر، وبخاصة في وجه جماعة "الإخوان" والإرهاب المسلح والتخريب. ترك الملك عبدالله مجتمعاً سعودياً أكثر انفتاحاً وتسامحاً ومعرفة بالعالم الخارجي، وأقدر على اجتذاب مختلف الطاقات والفئات إلى المساهمة في البناء الوطني. ولعل قراره بتعيين ثلاثين امرأة عضواً في مجلس الشورى السعودي، يقول كاتب سعودي، «من أعظم القرارات التحديثية في المملكة ودول الخليج، وقد أثبت بعض هؤلاء النساء أنهن رمز للكفاءة والنزاهة والوطنية لدرجة تثير الفخر والإعجاب».

كان الملك الراحل، يقول الإعلامي السعودي «جمال خاشقجي»، يمارس مع شعبه ومع الجهاز الوظيفي في المملكة ورجال الفكر والدين، «سياسة متدرجة». وفي أوج معركة صحيفة الوطن السعودية في فبراير 2009، دخل جمع من الإعلاميين السعوديين ومنهم خاشقجي، في حوار مع الملك الراحل «كان من بين القرارات اللافتة يومها تعيين امرأة في أعلى منصب حكومي، بالتالي كانت لحظة تاريخية في بلد متحفظ حيال عمل المرأة ناهيك بأن تصل إلى مواقع قيادية، فسألتُ الراحل: لماذا جاء تعيين أول نائبة وزيرة نورة الفايز الآن؟».

وكان جواب الملك: «وجدنا أكثر من واحدة مؤهلة، هذه بركة التعليم، نساء كثر فيهن خير وعلم وصدق ومؤهلات.. هذا هو المطلوب للمرأة السعودية أن تكون قوية متعلمة، والأستاذة نورة ستكون كذلك بإذن الله».

دخل الشعب السعودي خلال عهد الملك عبدالله في معركة متعددة الجوانب والمخاطر مع الانغلاق والأصولية المتشددة والإرهاب. ولم يدعم الملك عبدالله فرص النساء والشباب وحقوقهم الاجتماعية فحسب، بل امتد تأثيره إلى الحياة الثقافية، حيث برزت في عهده معارض الكتاب ودخلت المملكة كتب سياسية وفكرية كانت محدودة الانتشار، واتسعت الحرية الإعلامية والفكرية. ويقول مثقف سعودي مشيداً بهذا الجانب من إنجازات الراحل أن «الدور الثقافي للراحل الكبير كان عظيماً ومهماً في مرحلة حساسة، وأعظم مشاريع الملك الراحل الثقافية، برنامجه للابتعاث وما يترتب عليه من تلاقح فكري واستفادة عالية، وكذلك دعمه السخي للأندية الأدبية».

ولا يستطيع أي باحث أن يدرك الصعوبات والموانع التي اجتازتها السلطات التعليمية في المملكة بدعم من الملك الراحل، في مجال إرسال هذا العدد الهائل من المبعوثين والطلاب إلى هذه الدول، إلا إذا طالع بعض فتاوى القيادات الدينية المتشددة التي أفتت في بعض المراحل بعدم جواز الإقامة «في بلد يظهر فيه الشرك والكفر إلا للدعوة إلى الله». وجاء في هذه الفتاوى «الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم وأخلاقه وسلوكه وآدابه. وقد شاهدنا وغيرنا انحرافا لكثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به».
&