أحمد عسيري

التطرف أو الغلو.. معنى تجهيلي وحشي حين ينسرب إلى الأفهام والعقول يتحول إلى فكر قاتل، هو صيغة مخذولة وتأصيل مدمر، واستلاب ممقوت، هو شرخ مرير في جدار العلاقات الإنسانية، ومرض مزمن، واختلال في التوازن العقلي والروحي، هو واقع اجتماعي وتاريخي علينا التعاطي معه بالحوار والتفاكر والتثاقف وتفكيك أفخاخه النائمة فيه، وطرح الأسئلة الشائكة حوله، كأن نقول لذواتنا: هل نحن نأكل من الخبز المسموم الذي زرعناه ذات يوم؟ هل التفتنا متأخرين إلى فكرة تعميق الحوار وتجلياته بما يحقق الانسجام النفسي والاجتماعي على مستوى الأسرة والتعليم وأصحاب القرار؟ هل أوقفنا عربة النسق المضلل والمهيمن في خطابنا وطروحاتنا السجالية المتناقضة التي لا تؤمن بمبدأ الاختلاف والتنوع والتباين؟ هل كرسنا فكرة الحياة والإعمار وتعزيز بواعث الأمل والإشراق في نفوس أبنائنا من خلال مناهج تعليمية وإعلامية تجسد وظائف الحياة الجمالية الراقية وقيمها المعرفية، وتجيب عن أسئلتهم الملحة، وتكشف خبايا نفوسهم، وتفجير ملكاتهم الكامنة؟ إن جيل الشباب يتعرض لعصف وقصف فظين وغليظين يدمران توازنه النفسي، وقدراته الروحية المتعالية من أعداء الوطن في الداخل والخارج، ما أربك توازنه وعلائقه مع الواقع المعاش، وشكل مصاغات فكرية وارتهانات ملغومة تضرب منظومة الوحدة الوطنية، وتهدد سلامة الوشيجة المجتمعية، وتقوض بنية التحضر المدني والحضاري وأصناف القيم الأخرى، نحن بحاجة إلى ارتقاء وعيوي، ومفاهيم مبتغاة، ومكاشفات استنطاقية، وطرائق تفتح لنا خزائن الصندوق الأسود، وتعري طبائع السلوك العلمي والتربوي والأخلاقي عند هؤلاء المرضى والضحايا، وتفضح الذرائع والوسائل والأساليب والدلالات عند أربابه، إننا بحاجة إلى عزل الفكر المتطرف بكل باطنيته وبشاعته وتخلقاته واندحاراته، وتفكيكه وطمس كل ما تركه من تشوهات وانغلاقات وطقوس وأنماط فكرية منحرفة، ومشاغلات ومسارات تدميرية، وأدبيات وأوهام متخيلة، إن صدمة الواقع تتطلب منا اليقظة والالتحام والوئام والاستنطاق السليم للمفاهيم الدينية العظيمة في عقيدتنا السمحاء، وإشاعة ما فيها من ثوابت إيمانية مضيئة في مرجعيتها وتاريخها وتمثلاتها، وما تحفل به عقيدة السلف الصالح، والتحاكم والإذعان لذلك المنهج الشرعي الذي اتبعوه كمحضن صالح لكل زمان ومكان، إننا بحاجة إلى الخروج من الصالات والفنادق التي نحكي فيها ونجادل بعضنا بعضا لنذهب إلى السوق والمقهى، ومدرج الجامعة، وطابور المدرسة، والريف والهجر البعيدة، وأزقة المدينة، والبؤر الاجتماعية، للإفصاح عن تشوفاتنا وأوجاعنا وما يؤرقنا من إرهاصات وتحديات ضد هذا التنين القاتل، قبل أن يستفحل أكثر، ويلتهم مكتسبات الوطن والأمة.