تاريخ متقلّب للـ «ماريجوانا» أميركياً يجعل تساهل أوباما إرثاً بارزاً

&

&أحمد مغربي

&

&

&

&

&


&

&

قد تكون عودة الـ «ماريجوانا» إلى الحياة اليوميّة، من أبرز ملامح الإرث الذي سيخلفه الرئيس الأميركي الديموقراطي باراك أوباما، عند مغادرته البيت الأبيض. وعلى مدار ولايتيه الرئاسيتين، تمدّدت تشريعات متساهلة تجاه تلك النبتة، وهي من أصناف «حشيشة الكيف» Cannabis، لتشمل 25 ولاية أميركيّة. والأرجح أن أبرز ما فعله أوباما هو إنهاء حظر فيديرالي على الـ «ماريجوانا»، في 16 كانون الأول (ديسمبر) 2014، بموافقة الكونغرس بحزبيه الكبيرين الجمهوري والديموقراطي.

وفي استطلاع أجراه «مركز بيو للبحوث» في آذار (مارس) 2015، تبيّن أن 49 في المئة من الأميركيين جرّبوا الـ «ماريجوانا»، و12 في المئة استخدموها في السنة المنصرمة، و7.3 في المئة خلال الثلاثين يوماً التي سبقت الاستطلاع.

وتشير أرقام «منظمة الصحة العالمية» إلى أن 164 مليون شخص يستخدم الـ «ماريجوانا» سنويّاً، فيما يصل عدد المعتادين على استخدامها يوميّاً إلى قرابة 22.5 مليون.

&

سياسة التساهل تتجدّد

إذاً، من الواضح أن ثقافة التساهل حيال تلك النبتة التي تُسمّى أيضاً «القنّب الهندي»، باتت واسعة الانتشار، بل إنها أكثر انتشاراً مما كانت عليه في ستينات القرن الماضي، التي برز فيها التساهل حيال حشيشة الكيف في صورة بارزة تماماً. وسواء في ستينات القرن العشرين أو في القرن 21، ما زال النفوذ الأميركي الناعم، بمعنى قوة التأثير والثقافة، يعمل بوصفه القاطرة المؤثّرة في معظم حقول النقاش العام عالميّاً، ما يوصف أحياناً بأنه عملية أمركة لعولمة الثقافة.

وسواء صحّ ذلك أم لا، تنتشر ثقافة التساهل حيال «حشيشة الكيف» في بلدان أوروبيّة كثيرة، أبرزها البلدان الاسكندنافيّة، كما يبدي المجتمع العلمي اهتمامه بتقديم صورة «متوازنة» عن آثار الـ «ماريجوانا»، مع إبراز جوانب من الاستخدام الطبي لتلك النبتة. (أنظر «الحياة» في 14 نيسان - إبريل 2015).

وباسترجاع تاريخي، أدخل المكسيكيون تدخين حشيشة «القنّب الهندي» الى أميركا في عشرينات القرن المنصرم، عندما اشتغل مهاجروهم في الزراعة. وسرعان ما انتشر تدخينه في أوساط البيض والسود. وخيّم الركود الاقتصادي الكبير بظله الثقيل على أميركا في ثلاثينات ذلك القرن، كما ساهم في نشر صورة سلبيّة عن المهاجرين كأقلية مرتبطة بالعنف وتدخين الـ «ماريجوانا».

وضغطت الولايات الأميركيّة على الساحل الغربي، على الحكومة الأميركيّة لضبط انتشار «حشيشة الكيف»، وتبني قوانين منسّقة بين الولايات كلها لمكافحة «القنّب الهندي».

وفي عام 1937، استعانت الحكومة الأميركيّة بقدرتها على فرض الضرائب كي تضبط تجارة الـ «ماريجوانا»، كما اشترطت الحصول على إذن حكومي مسبق لممارسة التجارة بتلك النبتة. وشهد ذلك العام صدور قانون فيديرالي شامل بصدد إساءة استعمال المواد والأدوية، ما أنهى فترة كانت فيها الماريجوانا مشرّعة رسميّاً.

&

لا جدوى من المبالغة

خلال فترة حكم الرئيس الجمهوري ثيودور روزفلت، في ثلاثينات القرن الماضي، اتّبعت الحكومة الأميركية نهجاً قوامه مزيج من الصمت والمبالغة بهدف خفض استعمال المخدرات. قبل ذلك، سادت برامج توعية منهجية لطلاب المدارس المتوسطة والثانوية بهدف مكافحة المخدرات. وقاد مزيج من المخاوف المُبالَغ فيها وعدم التحوط في التقدير، إلى شيوع فكرة مفادها أن الحديث عن المخدرات للشباب ربما يحفّز فضولهم للتجربة بدلاً من درء الخطر عنهم. ولم يؤدّ ذلك سوى الى انخفاض مستوى التوعية حول المخدّرات ونقص معارف الشباب عنها.

ومثّلت المبالغة في تأثير المواد المؤثّرة نفسيّاً، وجهاً آخر لتلك المفارقة غير المنطقيّة. إذ يكفي تذكّر أن أحد نشطاء مكافحة المخدرات، أعلن في عام 1934، أن أونصة واحدة من الهيرويين كفيلة بإدمان ألفي شخص!

وحذّر مقال في «المجلة الأميركية للتمريض» (1936)، أن مستعمل الـ «ماريجوانا» ربما تحوّل فجأة نحو السلوك الإجرامي «منقلباً على أقرب الناس إليه. إنه سيستعمل سكيناً، فأساً، بندقية، أو أي شيء تقع يده عليه ليقتل أو يروّع... ومن دون سبب»!

وساد جو يجمع الانصياع مع الصمت والعقوبات المتشددة، ما دفع المبالغة لتكون السياسة الأساسيّة في مواجهة المخدرات، في ثلاثينات القرن الماضي ومعظم أربعيناته أيضاً. ولم تنتج سياسة المبالغة سوى الجهل والصور المشوّهة، ما أثبت عدم جدواها في وقف الحماسة المستعادة تجاه مواد الكيف في ستينات القرن العشرين. وبخلاصة موجزة، يصعب أن تنهض صلابة اجتماعيّة بالاستناد إلى هشاشة الإفراط في المبالغة أو الحذر من نشر الوعي.

وبسهولة بالغة، سقط زيف المبالغة أمام حقائق الاستعمال الفعلي لمواد الكيف، ما أدى أيضاً إلى فقدان الصدقية تجاه الإعلانات الرسميّة حولها.
&