عوني صادق

أعلنت مصر ودول عربية أخرى «شديد الأسف» وأعربت عن «خيبة أمل كبيرة» في أعقاب الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة في مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد في نيويورك على مدى شهر لمراجعة «معاهدة حظر الانتشار النووي» والذي انتهى بفضلها إلى الفشل، كما كان متوقعاً! وحذرت مصر من عواقب قد تواجه العالم العربي بسبب الموقف الأميركي!&

لم يكن منتظراً ألا ينتهي هذا المؤتمر إلى الفشل، والسبب ببساطة هو أن «إسرائيل» لا توافق على ما يمكن أن يخرج به من قراراتٍ تفرض عليها أن تعلن عن ترسانتها النووية، وأن تفتحها لمفتشي الأمم المتحدة. ومع أن «إسرائيل» لم توقّع على «معاهدة حظر الانتشار النووي» المبرمة في العام 1970، إلا أنها حضرت المؤتمر الأخير بصفة مراقب. لكن حضورها في هذه المؤتمرات لم يكن ضرورياً، لأن «ممثلها الشرعي» وغير الوحيد موجود لحمايتها والدفاع عنها وإفشال كل قرار لا ترضى عنه!. وجدير بالذكر أن نائب وزير الخارجية الأميركي، توم كاترمان، كان في زيارة لتل أبيب قبل انتهاء اجتماعات المؤتمر، والتقى القيادات الأمنية «الإسرائيلية» وناقش موقفها وما تريده من المؤتمر، وواضح أن الموقف الأميركي التزم بالتوجيهات «الإسرائيلية» المقدمة لنائب الوزير!

إن معاهدةً وقّع عليها ممثلون عن (190) دولة، بما فيها الولايات المتحدة، وعقد في إطارها أكثر من مؤتمر، لم تستطع أن تحقق شيئاً بسبب «دولة» لم توقّع على المعاهدة، وهي تنتهك قواعد كل الاتفاقات الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، وتستطيع في النهاية أن تفشِل كل اجتماع لا تحضره ولا توافق عليه!! أليس هذا من سخريات السياسة؟!. لكن السخرية تتحول إلى مأساة عندما تتحول السياسة إلى أفعال عدوان من جهة، وحماية من جهة أخرى! والمسؤول الأول يظل الولايات المتحدة الأميركية.

وكانت مصر قد تقدّمت في بداية المؤتمر بطلب عقد مؤتمر دولي لبحث الموقف من الترسانة النووية «الإسرائيلية»، ما أغضب «إسرائيل» وجعل المندوبة الأميركية ترفض بشدة الطلب المصري. ولقد بررت ممثلة الولايات المتحدة في المؤتمر نسفها له، ورفض مسودة الوثيقة التي كان يفترض أن تصدر عنه، بقولها: “إن مشروع القرار لا يستوي مع سياسة الولايات المتحدة»! وشددت على أن تكون القرارات بالإجماع. ولكن لماذا لم يستو مع سياسة الولايات المتحدة؟، &لأن أي مسودة يجب أن يتوفر لها التوافق بين دول المنطقة «توافقاً تاماً ومشتركاً»!! بكلمات أخرى تعطي الولايات المتحدة «إسرائيل» حق الفيتو على كل ما لا يعجبها ولا يضمن لها نجاح مخططاتها في السيطرة والهيمنة والاحتلال! وقد أوضح مسؤول «إسرائيلي» موقف حكومته من «معاهدة حظر الانتشار النووي» بقوله: «سننضم إلى المعاهدة عندما يتحقق السلام في المنطقة»!! ولا حاجة لطرح السؤال أي سلام يقصد!!

والحقيقة أنه ليس في الموقف الأميركي جديداً يستحق التوقف عنده أو التعليق عليه، لكنه يفرض ملاحظتين عليه في الهامش. الملاحظة الأولى، تتعلق بحجم الكذب وكمية النفاق اللذين تتميز بهما الولايات المتحدة، ومعها أوروبا، عندما تزعمان بأنهما تسعيان وحريصتان على «الأمن والسلام العالميين»، وتسعيان وحريصتان على «إحلال الأمن والسلام في الشرق الأوسط»، في الوقت الذي تحميان وبكل وقاحة وعدوانية «إسرائيل»، وخروجها عن كل قواعد ميثاق الأمم المتحدة، وانتهاكها المستمر لكل قرارات «الشرعية» الدولية واتفاقات ومعاهدات الأمم المتحدة! ولو كانت الولايات المتحدة، وحلفاؤها جادين فيما يزعمون حول «منطقة الشرق الأوسط» لكان عليهم أن يضعوا حداً ل «أزعر الحارة» المتمرد بفضل دعمهم وحمايتهم، بعد أن ثبت أنه المسؤول عن كل الحروب والاضطرابات التي شهدتها ولا تزال تشهدها المنطقة، وأنه لا سبيل إلى وقف ذلك سوى هذا السبيل!

أما الملاحظة الثانية، فهي تتعلق بمواقف الدول العربية. فبعد كل تاريخ الولايات المتحدة المعادي للأمة العربية، وبعد كل ما جرّته السياسات الأميركية، والأوروبية، عليها من كوارث ونكبات، وفي الأصل خلق الكيان الصهيوني وإقامته في الأرض العربية، بعد كل هذا التاريخ الذي أصبح معروفاً للجميع لا يزال بعض العرب يصاب ب«الخيبة» من هذه السياسات!!. &ترى متى كانت نتيجة التمسك بالسياسة الأميركية شيئاً غير الخيبات الكبيرة التي تنتج الكوارث والنكبات، والصغيرة التي تكشف الانحياز الأميركي لعدونا التاريخي والقومي؟!

إننا لم نسمع يوماً أن رئيساً للولايات المتحدة تنافس مع سابقيه، أو مرشحاً للرئاسة دخل في سباق مع نظرائه، إلا في ميدان واحد هو حماية وضمان «أمن إسرائيل»، والحفاظ على تفوقها على الدول العربية مجتمعة، وآخرهم الرئيس باراك أوباما في آخر مقابلاته الصحفية مع مجلة (أتلانتك) أثناء انعقاد مؤتمر مراجعة «معاهدة حظر الانتشار النووي» الأخير، حيث خاطب «الإسرائيليين» بعد التأكيد على «ضمان أمن إسرائيل» في معرض حديثه عن الاتفاق النووي المنتظر مع إيران، قائلًا لهم: «اعتبروني واحداً منكم»!!

ليس هناك ما يبرر الإعراب عن «الخيبة» من المواقف الأميركية المنحازة للكيان الصهيوني، ف«إسرائيل» ليست كياناً خارجاً عن الولايات المتحدة، إنها واحدة من الولايات الأميركية الأكثر نفوذاً وهيمنةً على السياسة الأميركية، فكيف لا تنحاز لها، وكيف لنا نحن العرب أن نشعر تجاه ذلك بالخيبة؟!! إن الشيء المؤكد في هذه المسألة هو أن تمسكنا ب«صداقة» الولايات المتحدة لن يجلب لنا إلا الخيبات، إلى جانب الكوارث والنكبات!!