رشيد الخيّون

تمتد الحدود بين إيران والعراق بطول 1200 كم، مِن أقصى الشمال الشرقي إلى أقصى الجنوب الشرقي، ناهيك عن الوشائج الحضارية والاجتماعية العريقة بينهما، قبل تأسيس الدولتين بحدودهما القائمة، لذا يحتاج البلدان إلى تعاون مشترك، يقوم على احترام التجاور والتاريخ، مثلما كان الحال سابقاً، لكن ما حصل بعد الثورة الإيرانية، وما بعد (أبريل 2003)، جعل العراق الهدف الأول لتصدير الثورة الإسلامية، ومازالت إيران تعمل على تحقيقه بأيد عراقية استغلالا للظرف العصيب.

يقول الوزير المغربي عبد الهادي أبو طالب: «وقع اختيار الملك علي، لأني كما قال جلالته لي: شريف النسب من سلالة فاطمة بنت الرسول وزوجة علي بن أبي طالب.. وأضاف أن علي أن أقول هذا عن نفسي حين ألتقي الخميني» («الشرق الأوسط» 18/1/ 2001). ويضيف: «وجهني الملك إلى بغداد للاتصال بالرئيس العراقي أحمد حسن البكر، والإعراب له عن رجاء جلالته تسهيل مهمة لقائي بالسيد الخميني، وزودني الملك بتعليماته، وطلب مني التركيز أثناء لقائي بالبكر على إثارة انتباهه إلى أن مصلحة العراق العليا مرتبطة بالاستقرار في إيران، وأن المطلوب من العراق أن يعمل على إنجاح مهمتي» (نفسه)، غير أن البكر أجاب بالرفض: «لا فائدة في الاتصال بالسيد الخميني لأنه سيغادر العراق» (نفسه).

هذا، ولم يعرف الشعب العراقي الخميني قبل ترحيله (شتاء 1978)، ولم يكن ببال أحد، بما فيهم الحكومة نفسها، ما سيكون عليه مِن شأن. فأول مرة سمعنا باسمه- خارج النَّجف- مِن حديث نائب الرئيس آنذاك صدام حسين (أعدم 2006)، عبر الإعلام (أكتوبر 1978): «إذا يخلَّونا خميني انخلَّيلهم سبعطعش (17) خميني». أما النجفيون، في الغالب، فيتحدثون عنه كرجل دين سياسي، ليس على وفاق مع المرجعية الشيعية آنذاك.

وبالفعل أثرت الثورة الإيرانية على الوضع العراقي في الصميم، فبعد أيام من انتصارها أخذت المظاهرات تجوب شوارع المدن، مناديةً بإشعال الثورة الإسلامية ببغداد، فمرشدها عاش في العراق كصديق لنظام الحكم (قبل اتفاقية الجزائر)، ثم ما حمله من ضغينة ضده بسبب ترحيله، ولو نجحت الثورة وهو لا زال بالعراق، وعلى علاقته السابقة بالنظام، لربما خفت وطأة العداء.

نعم حصل توافق بين إيران والعالم الغربي على الملف النووي، لكن ماذا عن العراق وشأن إيران فيه؟ ومثلما قالها ملك المغرب، التأثير مباشر في أحواله، والسؤال: هل هناك حواش للاتفاق تخص العراق، أم تبقى إيران تستبز الأميركيين والساسة العراقيين من عرب وكرد؟ ما نذكره أن الأميركيين قد تفاوضوا مع إيران وليس مع غيرها على الوضع الأمني العراقي (2006-2007).

يقول مستشار الأمن القومي العراقي السَّابق موفق الربيعي، المحسوب على «حزب الدعوة»، يوم كانت دمشق بوابة الإرهابيين إلى العراق: «أما سوريا فقد كان يدخل من خلالها ما يصل إلى 110 من الانتحاريين شهرياً... الانتحاريون الذين يصلون العراق اليوم يأتون عبر سوريا، يصلون دمشق ومن دمشق إلى العراق» («الشَّرق الأوسط» 23/4/2008). هذا، وسمعت ممن حضر لقاءً مع أبي وائل (ت 2015)، الشخصية الأمنية السورية، أنه رد على من اعترض أو عتب على مساعدتهم الإرهابيين: «لا ننتظر حتى يعلقوننا بساحة المرجة»! يقصد أنه بعد إسقاط «بعث» العراق سيأتي الدَّور على «البعث» السوري.

أقول: هل لنا التصديق بأن دمشق تُدخل الإرهابيين إلى العراق من دون علم إيران؟ لا نظن ذلك. كان الهدف السوري والإيراني مشتركاً: الإطاحة بالتجربة الأميركية، وتحويل الساحة العراقية إلى ساحة حرب ورعب، فحرب النجف (2004)، وأحد مدبريها بارز الآن في قيادة «الحشد الشعبي»، تفجرت بالتوقيت مع حرب «القاعدة» بالفلوجة، وعملياتها الإرهابية. وبالفعل عجل هذا بخروج الجيش الأميركي، وبان الحضور الإيراني قوياً، فتغيرت سياسة بغداد من التهديد بالشكوى لدى الأمم المتحدة ضد دمشق إلى إرسال مقاتلين للدفاع عن نظامها. يقول الربيعي فيما يخص إيران والإرهابيين: «طلبنا مِن الإيرانيين مشاركتهم في الحصول على بعض المعلومات مِن هذه القيادات (قيادات القاعدة المقيمين بإيران) للاستفادة منها.. لكنهم رفضوا ولم يساعدونا» (نفسه).

لم ينته المشهد هنا، وإنما المراد استكمال ما بدأته إيران من إلحاق العراق بفلكها، والدور آت على استبدال ولاية الفقيه بالمرجعية النجفية، تماماً مثلما حاول «الإخوان المسلمون» استبدال مؤسسة إرشادهم بمشيخة الأزهر. لهذا، نسأل: ما هامش الاتفاق النووي بخصوص العراق، وإيران اللاعب بشيعته وسنته وكرده؟ لا نقول إن لها كل شيء هناك، لكن لها اليد الطولى في شأنه، وبالإمكان تغيير سياستها لو رُبطت بمواثيق، والفرصة كانت «النَّووي».