التظاهرات في العراق بدأت بجني ثمارها منذ الأيام الأولى: العبادي يقف الآن أمام جدران كثيرة عليه أن يهدمها واحداً واحداً


صفاء ذياب

&منذ العام 2003 وحتى الآن، بعد تسلم أكثر من ثلاثة سياسيين رئاسة الوزارة في العراق، لم يتمكن أي رئيس وزراء من الحصول على تأييد شعبي كما حصل مع الدكتور حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، بعد ما أعلن حزمة إصلاحات على أثر التظاهرات التي عمَّت المدن العراقية.
الأغرب ليس في الإصلاحات التي أطلقها العبادي، بل بموافقة أعضاء مجلس الوزراء جميعهم منذ الجلسة الأولى، وربما يكون هذا طبيعياً إذا ما قورن بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب العراقي على هذه الإصلاحات، وهو ما أثار شكوك الشارع العراقي بنية هؤلاء الأعضاء برفع أيديهم حينما طلب منهم التصويت على مقترح العبادي!.


الإصلاحات التي تتضمن إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وتقليص عدد أفراد حماية المسؤولين في الدولة، وإلغاء مخصصات أصحاب الدرجات العليا من الموظفين والمتقاعدين، فضلا عن تقليص تأثير المحاصصة في اختيار المناصب العليا في مؤسسات الدولة، وتخفيض المخصصات المالية الممنوحة لكبار المسؤولين، والعمل على إصلاح المشاكل التي يعانيها قطاع الخدمات العامة.
كانت هذه الإصلاحات هي الحزمة الأولى من حزم أخرى تعهد العبادي بها لمواصلة برامج الإصلاح في البلاد. وتتضمن الحزم الأخرى التي من المفترض أن يقدمها العبادي لمجلس الوزراء من أجل التصويت عليها، منها الدعوة إلى المباشرة بعملية ترشيق الهيئات ودمج المديريات القابلة للدمج للقضاء على الترهل، ودعوة رئيس مجلس الوزراء إلى إقالة كل من يثبت تقصيره في إدارة وتحقيق مصالح الشعب.
وتنص أيضاً على إقالة أعضاء مجلس النواب ممن تجاوزت غياباتهم من دون عذر مشروع، أكثر من ثلث جلسات المجلس من مجموع الفصل التشريعي الواحد، والنظر في أداء رؤساء اللجان النيابية، وتقليص أعداد أفراد حماية المسؤولين إلى النصف خلال 15 يوماً. فضلاً عن محاسبة المقصرين في الدفاع عن العراقيين ممن تسببوا في تسليم الأرض والسلاح إلى جماعات إرهابية، وايجاد حلول عملية لمشكلة النازحين بما يحفظ لهم حياة كريمة، حسب نص الحزمة النيابية.
لم تكن التظاهرات التي خرجت منذ أكثر من ثلاثة أسابيع في أغلب المدن العراقية كسابقاتها، فقد انطلقت بدايةً في قضاء المدينة في البصرة اعتراضاً على نقص الكهرباء، خصوصاً مع بلوغ درجات الحرارة في المدينة أقصى ما يمكن، إذ تجاوزت الـ51 درجة، غير أن تهور بعض أفراد الشرطة العراقية دفعهم لإطلاق الرصاص على بعض الشباب المتظاهرين ما أدى إلى مقتل شاب وإصابة آخر.
الشرارة الأولى دفعتها الريح إلى مدينة الناصرية، لتهب جماهير بغداد لنصرة هاتين المدينتين في أول تظاهرة خرجوا بها، غير أن هذه النصرة تحولت خلال ساعاتها الأولى لأن تكون مركزاً مهماً في تظاهرات عمَّت المدن العراقية، حتى الصغيرة منها، وهي التي كانت في التظاهرات السابقة جميعاً بعيدة عن الجماهيرية وراكنة إلى الهدوء والرضا بما قسمته لها الحكومات السابقة.
التظاهرات بدأت بجني ثمارها منذ الأيام الأولى، فلم تكن إصلاحات العبادي الوحيدة، بل قامت محافظات عدَّة بإصدار قرارات بإقالة مدراء عامين وتغييرهم خلال يوم واحد، منها ما حصل في محافظة ذي قار بتغيير مدير عام الصحة ومدير عام الزراعة وغيرهما، الأمر نفسه حدث في مدينة البصرة إذ يدرس الآن المحافظ إقالة المدراء العامين وتغييرهم بعد أن يحصل على تصويت مجلس المحافظة.
غير أن الانتصار الأكبر هو مطالبة الجماهير بإقالة ومحاسبة بهاء الأعرجي، ضمن كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، وهو النائب الأول لرئيس الوزراء العراقي، إذ أجبرت التظاهرات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على إعلانه تقديم الأعرجي استقالته ومنعه من السفر، وهو ما دفعه للاعتداء على المتظاهرين في مؤتمر صحافي، قائلاً: «إن المتظاهرين تحت حذائي».. غير أن الأمر اختلف مع الدكتور أياد علاوي، نائـــب رئــيــس الجمــهورية، الذي قال أن «المنصب لا يشتريه بفلس واحد».
وقد لوحظ في تظاهرات الجمعة الماضية، وهي الثالثة في سلسلة التظاهرات، في أغلب المدن العراقية، أن الأعداد تفوق كل التظاهرات السابقة، الساحة والمداخل الرئيسية امتلأت بالناس، ويمكن الحديث عن مئات الألوف، حضور ملموس لعوائل بكاملها، الشعارات الخدمية تكررت نفسها مع انضمام شعار إصلاح السلطة القضائية. الأكثرية من الجماهير غير منتمين لأحزاب، حضور الشباب المدني كان واضحاً، رغم أن بعضهم تعرض للاعتداء من قبل جماعات هدفها أن تسيطر على مركز ساحة التحرير. حضور بصوت عالٍ لجمهور أحزاب معروفة وسط التظاهرات، وكانت الشعارات تدور حول مطالب سياسية تخدم جهات على حساب أخرى، مثل شتم بعض القيادات السياسية وتبجيل بعضها الآخر. بعض الشابات غير المحجبات ذكرن أنهن تعرضن لمضايقة عنصرية، طرد كادر البغدادية من الساحة.
ورغم أهمية ما لوحظ في تظاهرات الجمعة الماضية، إلا أن الأهم في التظاهرات الثلاثة إسقاط التابو الديني، فقط ردد المتظاهرون شعارات ضد بعض رجال الدين العراقيين، مثل عمار الحكيم ومقتدى الصدر، ضاربين مخاوف أكثر من اثني عشر عاماً عرض الحائط، فضلاً عن التعرض لشخصيات كبرى تأكدت الجماهير من سقوطهم في الفساد المالي والإداري.
الجمعة الماضية حدث فيها ما لم يحدث في الجمع السابقة، فقد سيطرت مجموعة من الشباب المندسين على ساحة التحرير وسط بغداد وتعرضوا للمتظاهرين العزَّل، وبعيداً عن الآراء الشخصية، فقد تحدث المواطن علي السومري عما حدث، قائلاً: «اليوم ومنذ الصباح الباكر تم احتلال ساحة التحرير، مكاننا الذي نقف عليه أمام نصب الحرية، سوروه بالأشرطة، تقبلنا الأمر لأننا نؤمن أن الساحة للجميع شريطة أن تكون المطالب والهتافات ضد المفسدين.. وصلت الساعة الرابعة والنصف، وجدت (السياج) الدائري الذي نقف عليه مسورا أيضا بأشخاص يقفون مع لافتاتهم، أشخاص ممن احتلوا الساحة صباحاً، حتى عثرت على جماعتنا (حميد جحجيح والأصدقاء) وقد اتخذوا مكاناً أمام شارع السعدون، ولأننا نريد أن نمضي بسلام، جهزنا مكبرات الصوت، وبدأنا بهتافاتنا ضد فساد القضاء ومع تحقيق العدالة الاجتماعية. لم تمض نصف ساعة حتى صعد من خلفنا شباب بعصابات خضراء يرتدون (المرقط)، صورونا واحداً واحداً، ثم تكاثروا، حاولنا إبعادهم بطريقة غير مباشرة، نجحت الطريقة مع بعضهم، لكن بعضهم أصر على البقاء. بعدها بقليل، جاء أكثر من عشرين شخصاً ووقفوا أمامنا بالضبط وحاولوا التشويش على هتافاتنا، حاولنا أن نهتف (سلمية سلمية) (مدنية مدنية)، لكن هتافهم تصاعد لاستفزازنا، حتى حاول أحدهم الصعود من الجهة التي تقف فيها النساء فمنعناه، ولم نسمح به، رمونا بقناني الماء، حتى صعد العشرات منهم علينا، بعضهم بعصي، إضافة إلى أصحابهم من خلفنا وحاولوا الاعتداء على النساء ودفعهن من فوق إلى تحت النفق، فوقفنا أمامهم وحدث ما حدث من صدام وعراك بالأيدي والأرجل لم ننهه إلا بعد أن أنزلنا جميع النساء، وعدنا للوقوف على المنصة. لكنهم استمروا بالسب والشتم ومحاولة الاعتداء علينا، وهم يهتفون بأسماء الزعماء!! ليعودوا لمحاولة تطويقنا مرة ثانية، لهذا نزلنا من المنصة إلى الشارع ونحن نهتف للمدنية مرة أخرى، تجمعنا أمام النفق، فأحاطوا بنا مرة ثانية، تراجعنا إلى شارع السعدون للاطمئنان على الأصدقاء، حتى وصلن إلينا الصديقات اللواتي تعرضن لهجمات بالمقصات!!! عند نزولهن من المنصة!!
استمررنا بالوقوف، حتى جاءت موجة جديدة منهم يرددون نفس الهتافات أمامنا حتى وقف أحدهم قربي وقال: (ها المدنيين شو رجعتووو!!!)، سؤال: (هذا اشدراه صار اعتداء!!! وهوه جاي من السعدون وبعده مواصل للتحرير!!!؟).عندها فقط أدركنا أن الاستهداف كان مدبراً وهو يستهدف مجموعتنا، لهذا كانت الحكمة بانسحابنا كشخوص تم الاعتداء عليهم، وعدم ارباك الوضع، لهذا أجبرنا الصديق أحمد عبد الحسين بضرورة انسحاب من تم الاعتداء عليهم. أحمد رفض في البدء لكنه استجاب لإلحاحنا في النهاية، وهو ما حدث، حتى اننا لم نبلغ كل من لم يعرف بالاعتداء، لتستمر التظاهرة وافشال مخطط زعزعتها.
أما في مدينة كربلاء فقد حدث أمر مقارب لما حدث في بغداد، فقد جاءت مجموعة من المراهقين الذين لم يعهد أن يحضروا في أغلب الحراكات السلمية منذ انطلاق التظاهرات، لم يلتزموا بالتوجيهات الصادرة عن التنسيقية، حاولوا أن يقتحموا الباب المؤدي لمحافظة كربلاء، كانوا عبارة عن مجموعة من الشباب الذين لم يتجاوز عمر أغلبهم الـ18 عاماً؛ حسب ما يذكر نبيل الجابري، قاموا بشتم القوات الأمنية المعنية بحراسة المجمع الحكومي، وبقوا على هذه الحال لأكثر من ساعة تقريباً، غير عابئين بالأصوات المعتدلة التي حاولت أن تفقرهم، ولا بمرشات المياه التي استعملتها قوات مكافحة الشغب من داخل السور. انتهى الأمر بحرق دراجة نارية تابعة لأحد منتسبي الحماية المكلفة بحماية المجمع، ما أدى إلى تدخل فوج طوارئ كربلاء وقوة مكافحة الشغب وتفريقهم. انتهت التظاهرة بهذا السوء الذي لم تكن أغلب التجمعات المدنية تريده أو تدعو له، والسبب في هذا أشياء كثيرة يأتي في مقدمتها، عدم ضبط النفس من قبل عدد كبير من المتظاهرين، وعدم السيطرة عليهم من قبل اللجنة التنسيقية المعنية بإدارة التظاهرة.
العبادي يقف الآن أمام جدران كثيرة يجب عليها أن يهدمها واحداً واحداً، فتأييد الجماهير له هو الجدار الذي يدفعه لإجبار مجلس الوزراء على السعي في الإصلاحات ومن بعد ذلك البرلمان العراقي.
وفي هذا يرى الدكتور لؤي حمزة عباس في رسالة بعثها إلى العبادي: «امتحانك الحقيقي في موقفك من الإسلام السياسي، بعد أن ضرب مثلاً في تفريخ المفسدين. ما فعله الإسلام السياسي في العراق خلال عقد فاق ما فعله البعث في عقود. ليس أمامك سوى طريقين: طريق الخراب الذي شقه قبلك مفسدو أحزاب السلطة وزبانيتهم، وطريق العراق. اصلح نفسك، أولاً وقبل كلِّ شيء، بالخروج من دائرة السوء.
مضيفاً: لن تكون التغيراتُ الكبرى في حياة الشعوب فوريّةً أو يسيرةً أو بلا أثمان، وما نعيشه هذه الأيام وما نسعى جميعاً من أجل تحقيقه، واحدٌ من هذه التغيرات وقد أُبتلع العراقُ من قبل حيتان الفساد وعرابي الخراب، وعلى رأسهم نواب السيد الرئيس، ورؤساء الكتل، رعاة الفساد المتوّجون، الذين لا يؤمنون بالإصلاح مهما تباكوا أو أدعوا، وقد حولوا العراق إلى ملكيةٍ خاصةٍ لهم ولعوائلهم ولأحزابهم ولميليشياهم. لن يستجيب أمثال هؤلاء لإرادة الجماهير، ولن يقبلوا بالتنازل اليسير عن ثرواتهم وجبروتهم وأوهامهم التي أجهزوا بها على حاضر العراق. سيعملون على تعطيل إرادة الجماهير الممثلة، حتى الآن، بإصلاحات رئيس الوزراء، ويدفعون باتجاه متاهة دستورية تبدأ ولا تنتهي. ما نملكه بمواجهتهم هو ما حقق فعل التغيير: أصواتنا التي غيّرت المعادلة السياسية الخائبة، وأعادت مركز القوى إلى موقعه الطبيعي، إرادة الإنسان التي تظل أكبر من كل حزب وأقوى من كل فاسد. لنثق بقدرتنا على إنجاز مهمتنا الأصعب، وأن نمضي حتى الأخير في طريق الرفض والاحتجاج.»
في حين يرى الباحث الدكتور فارس كمال نظمي أن ساحة التحرير نواة اجتماعية لكتلة سياسية تاريخية منتظرة! ففي زمن الكوارث السياسية الكبرى، تبرز دوماً فكرة «انطونيو غرامشي» حول إمكانية تأسيس «كتلة تاريخية» بين التيارين المدني والديني لإنقاذ البلاد، بحسب خصوصية كل مجتمع ودرجة تطوره السياسي والاجتماعي، واليوم 14 آب 2015 في ساحة التحرير، كان آلاف الصدريين (يطيب لي أن أسميهم اليساريين اللاهوتين) حاضرين بزخم مدني ملفت، إلى جوار آلاف اليساريين الليبراليين، في تناغم فريد بين التيارين يشمل مضامين الشعارات والأهازيج ولغة الجسد الاحتجاجية… الآيديولوجيات المتضاربة لا تنبع بالضرورة من سيكولوجيات متضاربة. فالمحروم المتدين لا يختلف عن المحروم غير المتدين في بنائه الانفعالي المتضرر جراء الظلم والإفقار والتهميش، لكنهما قد يختلفان في كيفية تسبيبهما لحالتهما وفي مدى تسويغهما أو عدم تسويغهما لها!… واليوم التقى التياران في كيفية تسبيبهما للظلم الاجتماعي الماثل، وفي وعيهما الاحتجاجي بالفقر والحرمان والذل، ضمن إطار وطنياتي موحد وغير مسبوق في عاطفته وغاياته. أليست هي اللحظة المناسبة لانبثاق كتلة تاريخية ـ بشقيها المدني والديني- ذات توجه يساروي اجتماعي، تعمل على تأطير الاحتجاجات الحالية في مسارات تنظيمية فاعلة لضمان استمرارية زخمها، وتحديد ستراتيجية توجهاتها القادمة؟! وأكثر من ذلك كتلة تاريخية تكتسح الانتخابات القادمة سواء كانت مبكرة أو متأخرة.
أما الروائي أحمد سعداوي فيشير إلى أن منظر ساحة التحرير في قلب بغداد اليوم يثير الفخر والبهجة. أعداد كبيرة من كل المشارب والاتجاهات اجتمعت على محاربة الفساد وإصلاح النظام السياسي، أتوا من كل مكان سيراً على الأقدام، ورفعوا مطالب عديدة على رأسها إصلاح القضاء وإقالة مدحت المحمود. وكما هو متوقع فإن عدة مجموعات تتبع أحزاباً موجودة في السلطة دخلت إلى التظاهر، ولكنها، حسب شهود عيان كثيرين، كانوا مسالمين وجزءاً من الجسد العام للمتظاهرين، ما عدا مجموعة واحدة، تناقضت الآراء بشأن عددها، فمنهم من يقول إنهم بالمئات، وآخرون يقولون إنهم بضع عشرات ليس إلا… هذه المجموعة استخدمت الأسلحة البيضاء في الاستيلاء على مركز التظاهرة، وضربت بعض الناشطين وجرحت آخرين، وتم الاعتداء على بعض الناشطات وسرقة هواتفهن المحمولة، وحصلت ملاحقة لبعضهم حتى إلى خارج ساحة التحرير، كل هذا في الساعة الأولى للتظاهرة، ولكن التظاهرة، وقلبها المدني، استمرت لاحقاً، وظلت شعارات شهيرة تكررت في الجمع الماضية، تتردد أيضاً مثل «باسم الدين باكونا الحرامية»، وتزايدت أعداد التظاهر بشكل كبير.

اعتداءات

الجمعة الماضية حدث فيها ما لم يحدث في الجمع السابقة، فقد سيطرت مجموعة من الشباب المندسين على ساحة التحرير وسط بغداد وتعرضوا للمتظاهرين العزَّل. ويتحدث الكاتب الصحافي علي الحسيني عن هذا الاعتداء مبيناً أن من الطبيعي جداً، أن الذين أوغلوا في دمائنا ونهبوا أموالنا وأحلامنا، لن يسكتوا، وسينتهزون أية فرصة، لكتم أنفاسنا، وترهيب الجماهير التي أطاحت بجشعهم وشراهتهم.
مضيفاً: ما فعله «بلطجية» تلك التيارات والأحزاب، وأتباعها ممن ماتت ضمائرهم، وصدئت عقولهم، من محاولة بائسة، لإثارة «المدنيين» بشعارات وهتافات لا علاقة لها بغضب الشارع، واحتلال منصات ساحة التحرير، يهدف إلى تكريس «شيطنة» الشارع الغاضب، ومحاولة وضعه في خانة المعاداة للدين، أملاً بسحب «المرجعية» تأييدها عن المحتجين… متظاهرو اليوم، من الذين لا ينتمون إلا لذواتهم وأحلامهم ورغبتهم في تعديل المسار السياسي في العراق، والعيـــش بكـــرامة، بالرغم من منعهم بشكل أو بآخر من ممارسة احتجــاجهم في منصات ساحة التحرير التي أثثوها بأصواتهم، لكن صمتهم كان أبلغ، وشعاراتهم كانت أصدق وأكثر تعبيراً. «سنبقى، كما يقول عبد العزيز المقالح: نحفر في الجدار، أما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على وجه الجدار».

شعارات

الواضح في هذه التظاهرات أن ثمّة انقلاباً واضحاً في مستوى الوعي الشبابي، وآخر في التعبير، وأخير في تحديد الأورام، كان بشجاعة منقطعة النظير تُخفي في جنباتها شعباً حُرّاً. فكانت بعض الشعارات المرفوعة هي: الكُفر ليس إنكار الربّ وحسب، بل وسرقة أصوات الشعب.. الحكومة التي لا تسمع صوت الشعب ليست حكومة الشعب.. الحكومة التي لا تسمع صوت الشعب، حكومة كافرة بالوطن وإنْ كانت تبني أفخم المساجد.. هنا ماتت الطائفيّة.. لا نريد دولة حزبيّة إنما مدنيّة… ثبتَ بما لا يقبل الشكّ أنكم فاشلون، فوجَبَ تغييركم، فأما التغيير، أو التغيير…
&