&حمد دوابشة يفتح عينيه لأول مرة ويسأل جده: لماذا حاول المستوطنون إحراقنا؟

&&

& نظير مجلي


«لماذا حاول المستوطنون اليهود إحراقنا؟»، هذا هو أول سؤال نطق به الطفل ابن الرابعة، أحمد سعد دوابشة، أمس، عندما فتح عينيه وشاهد جده قرب سريره في المستشفى الإسرائيلي الذي يعالج فيه، من جراء إصابته بحروق شديدة خلال العملية الإرهابية التي نفذها مستعمرون يهود في مطلع الشهر. ثم وجه سؤالا آخر لم يستطع جده الرد عليه، فانهار بالبكاء: «أين أمي وأين أبي؟ لماذا لا يسألان عني؟!».

وكان الطفل أحمد قد نجا من الموت عندما استله المواطنون في قرية دوما من بين النيران. لكن شقيقه الأصغر، الرضيع، ذاب في النيران. ووالده توفي بعد صراع مع الحروق دام أسبوعا. فيما والدته ريهام ترقد في المستشفى نفسه بالقرب من غرفته، وما زالت تصارع على روحها. وعلى الرغم من الدخول إلى الأسبوع الرابع الذي يمر على العملية، ما زالت الشرطة الإسرائيلية والمخابرات وغيرهما «عاجزة» عن اعتقال منفذي العملية. وقد اعتقلت نحو 15 شابا يهوديا من غلاة المتطرفين بين المستعمرين لكنها وضعتهم قيد الاعتقال الإداري. ولم تثبت على أي منهم التهمة.

ويقول د.شبتاي بنديت، الناطق بلسان جمعية أطباء لحقوق الإنسان، وهي جمعية يهودية عربية، إن وفدا من عشرة أطباء زار قرية دوما المنكوبة، فوجدوا أن آثارها فظيعة ومريعة على حياة الناس عموما وأطفالهم بشكل خاص. ويؤكد: «أطفال قرية دوما يتخوفون من عملية إرهابية يهودية أخرى، يتم فيها إحراق عائلاتهم وهم نيام». ويتابع بنديت أن مجموعة من أطفال قرية دوما، ضمت 15 طفلا تتراوح أعمارهم بين 5 و12 عاما، جلست صبيحة أول من أمس السبت على شكل دائرة مع طبيب نفسي ومتطوعة. وبدأ اللقاء بإجراء تمارين خفيفة للتنفس والاسترخاء، ومن ثم تحدث الأولاد عن مشاعرهم، حيث قال الكثير منهم إنهم يخشون مصيرا مشابها لمصير عائلة دوابشة التي تم إحراق منزلها قبل نحو شهر. كما طرح الأولاد عدة أفكار حول سبل مواجهة الخوف، واقترحوا النوم في غرف من دون شبابيك من أجل منع إلقاء زجاجات حارقة داخلها، ونصب كاميرات حراسة في القرية وتنظيم حراسة ليلية.

وتبين للجمعية أن السكان عموما والأطفال والأولاد خاصة يعانون حالات من الخوف بسبب الحادث القاسي الذي قتل خلاله الطفل علي ووالده سعد. وقد وصل عشرة أطباء، بينهم الخبراء والأطباء النفسيون، إلى المدرسة، حيث كان في انتظارهم عشرات الأهالي مع أولادهم. واجتمع الأطباء ورجال الطاقم داخل إحدى الغرف وتلقوا التوجيهات، ومن ثم توزعوا إلى طواقم، فيما امتدت طوابير من الناس في الخارج، تم توجيهها إلى الغرف حسب احتياجاتها. وإلى جانب كل طبيب كان هناك مترجم. وقالت إحدى المواطنات في القرية والتي وصلت إلى اللقاء مع ابنها (13 عاما) وابنتها (10 أعوام) إنه منذ الحادث لا ينام طفلاها جيدا في الليل، ويستيقظان وهما يصرخان بسبب الكوابيس. وأضافت أنه طرأ انخفاض كبير على أدائهما اليومي، انعكس أيضًا بعدم قدرتهما على الدراسة وإعداد الوظائف البيتية. وحسب أقوالها، فإن حقيقة الوصول إلى العيادة المتنقلة كانت صعبة لأن طفليها يخافان من مغادرة المنزل. وبالإضافة إلى ذلك فإن الولد يتبول في ملابسه بسبب الخوف من العملية في دوما.

وقالت د.غرسييلا كورس رامون، الطبيبة النفسية المتطوعة في التنظيم، إنه «تمت دعوتنا بسبب حالات الخوف بعد العملية. يوجد هنا أناس وأولاد يعيشون حالة خوف قاسية جدا. والحديث عن مصاعب في النوم، والاستيقاظ جراء الكوابيس، وعدم الموافقة على النوم في غرف ذات شبابيك خشية دخول مستوطنين وإصابتهم، وغيرها من الظواهر. لقد طلبوا الاجتماع مع الخبراء والأطباء النفسيين في محاولة لتقليص مستوى الخوف لديهم». وقالت إن ما يفعله التنظيم هو «نقطة في بحر»، لأن المقصود علاج لمرة واحدة، و«لا توجد استمرارية لأن الوضع في المناطق المحتلة صعب، وهناك تفضيل لتوفير الخبز والطعام وأمور أخرى. هذه العلاجات تقع في آخر سلم الأولويات لديهم». الجدير ذكره أن العملية الإرهابية وما أعقبها من عمليات مقاومة فلسطينية تثير مخاوف كبيرة في الأوساط العاقلة في إسرائيل، خصوصا الصحافيين. وقد كتب ايتان هابر، أمس، في «يديعوت أحرونوت»، أنه لا بد من حل جذري للصراع. وقال هابر، الذي شغل في الماضي منصب مدير ديوان رئيس الوزراء في زمن إسحق رابين، إن ما يحدث اليوم يذكره بحادثة قديمة ولكن مهمة جدا. وروى: «بعد فترة وجيزة من اندلاع الانتفاضة الأولى، في النصف الثاني من سنوات الثمانينات، دعا وزير الدفاع (رابين) إلى معسكر المخابرات، كبار الخبراء في مجال العلاقات مع الفلسطينيين والمواطنين العرب في إسرائيل - مستشرقين من الصف الأول في الأكاديمية، مستشارين لشؤون العرب في كل العصور، رؤساء الشاباك والخبراء على مدى أجيال، المفاوضين الذين قيل عنهم إنهم عرب أكثر من العرب. وقد استجابوا جميعا لطلب رابين محاولة الرد على سؤال بسيط هو: (ما الذي يجب عمله؟). لقد أعرب غالبية المشاركين الذين بلغ عددهم 80 شخصا عن آرائهم وطرحوا اقتراحات. وعندها قام البروفسور شمعون شمير ليتحدث. بعد حديثه ساد الصمت في القاعة. لقد فوجئ الجميع وأصابتهم الصدمة. فقد كان استنتاج شمير مؤلما في بساطته: (لا يمكن وقف شعب انتفض على من يحكمه بالقوة ولا يمكن الانتصار عليه. هذا التمرد يمكنه أن يتواصل لسنوات وأجيال، وسيكلف الكثير من الدماء، لكن نهايته باتت تقرع النوافذ. يجب أن تكون أصم، وأحمق، وصغيرا كي لا تلاحظ الدلائل. نحن نعتقد أننا جئنا إلى هنا بقوة الحق، وهم يعتقدون أننا هنا بحق القوة)».

ويواصل هابر: «طوال ذلك اليوم طغى على كلمات كل المتحدثين نوع من الخيبة وربما اليأس: ما الذي لم نفعله من أجل قمع الانتفاضة: إطلاق النيران الحية، إطلاق الأعيرة المطاطية، تفريق المظاهرات، الاعتقالات (نحو نصف مليون معتقل فلسطيني حتى اليوم)، حظر التجول، تحطيم العظام، فرض الخوف، تفعيل الثواب والعقاب، هدم البيوت، الطرد والنفي، قتلى وقتلى وقتلى.. فما الذي يمكن أن يطلب منا بعد؟ ولماذا تذكرت ذلك الحدث الآن؟ لأن موجة من الإرهاب عادت واستيقظت، ومرة أخرى عاد وخرج كل الشعبويين الذين يطلقون نداءات مؤثرة (اقضوا على الإرهاب) و(ضعوا حدا)، وغيرهما من الشعارات التي تهدف إلى منح أصحابها الأصوات في يوم الانتخابات. هل يعرضون علينا حقائق من الماضي؟ محض هراء. الإرهاب يوقفه فقط من بادروا إليه. لا يمكن بكل بساطة الاحتماء من كل إرهابي، كان إلى ما قبل ساعة مواطنا صالحا، ولم يعرف حتى هو أنه مقبل على طعن يهودي. طوال سنوات، وبالتأكيد منذ عام 1967، ونحن نحاول قتل الحشرات دون أن نقوم بتجفيف المستنقع.. ألا يمكن تجفيف المستنقع؟ إذن علينا أن نعرف جميعا أنه حكم علينا هذا النوع من الحياة السائدة اليوم: طعنات هنا وهناك، رشق حجارة وزجاجات حارقة هنا وهناك. صحيح أنه يحظر علينا التسليم أمام الإرهاب، لكن علينا جميعا، اليمين واليسار، أن نعرف أنه كتب علينا العيش (والموت) مع هذا الوضع حتى يتغير الأمر. متى سيتغير الأمر؟».