نبيل عبد الفتاح

من فضلك حاول بينك وبين نفسك أن تذكر ما الذي تعنيه الدولة لك؟ أن تسأل ما هو معناها؟ وعن تاريخ الدولة المصرية الحديثة ومحطات تطورها الرئيسة؟

من فضلك حاول أن تستنتج معنى الدولة؟ معان شائعة تحمل في أغلبها اليقين والمعرفة والقطع بمفهوم الدولة في مناهج التعليم على تعددها واختلافها، وتبدو الدولة في الخطابات السياسية واليومية الشائعة مختزلة في إطار النظرة، التي من خلالها يدرك هؤلاء وأولئك بعض أبعاد الدولة وأجهزتها وخبراتهم بها أو معها، وما تلقوه من تنشئة سياسية واجتماعية حول ماهية الدولة والمصرية عموماً.

-أن خطورة هذه المعاني الشائعة، أنها في أغلبها تنطوي على نظرات جزئية ومحدودة، ومختزلة، لمعنى الدولة، وبعضها يحمل إدراكاً بسيطاً ولا تاريخ له.

يمكن لنا أن نذكرك ببعض الملاحظات التالية:

1- النظرة الأولى الشائعة التي تخلط بين الدولة القومية الحديثة وحركة القوميات والأمة والرأسمالية، وبين مفهوم وأنماط الدولة ما قبل الدولة/ الأمة، وكأن الدولة وميراثها وثقافاتها كائن اجتماعي وسياسي وثقافي معطى خارج التاريخ والكفاح الإنساني وصراعاته من أجل التنظيم.

هذا الخلط لا يميز بين معاني الدولة القومية وتركيبها وتعقيدها المفاهيمي والمؤسسي، وبين التجارب السابقة عليها. يشيع هذا الفهم في أغلب الخطابات الإسلامية السياسية ..

ولدى بعض الدول الانقسامية ما بعد الاستقلال، التي تستخدم مفهوم الدولة الوطنية والأمة استخداماً مجازياً وأيديولوجياً كونه جزءاً من منظومة العنف الرمزي الذي يرمى إلى تبرير استخدام القمع الأيديولوجي والمادي لإنتاج وطنية سياسية وفرضها قناعاً لتغطية الحكم الطائفي أو العرقي أو المناطقي أو القبلي والعشائري كما شاع في ليبيا والسودان.. إلخ، وثمة استثناء في الدولة القومية المصرية، والدولة المخزنية بالمغرب.

-أن تشكل عمليات بناء الدولة ومؤسساتها وأجهزتها ومفهومها التصوري الجامع، كان جزءاً من تطور الحركة القومية وبناء الأمة، والأنسجة الاجتماعية والثقافية والوعى الجمعي بالهوية الوطنية الجامعة. من هنا يمكن تفسير لماذا انهارت دولة ما بعد الاستقلال في العراق، وليبيا واختزلت في أجهزة القمع في سوريا، وأيضاً المثال اليمني على خصوصيته.

2- النظرة الثانية الشائعة تختزل الدولة في الأجهزة على اختلافها أساساً، وأن تماسكها البنيوي يعنى استمرارية الدولة، وأن اهتزازها أو انكسارها هو انهيار الدولة. والمراحل الانتقالية كرست هذا المفهوم لدى بعض القطاعات الاجتماعية التي رأت في المؤسسة العسكرية الوطنية هي السند الأساسي في بقاء الدولة واستمراريتها وتماسكها.

المعنى الثالث الشائع: اختزال الدولة ودورها في النظام السياسي الجمهوري أو الملكي أياً كانت طبيعته شمولية وقمعية أو تسلطية أو مزيج من الثيوقراطية والقمعية والعائلية، لأن النظام السياسي ليس هو الدولة كونه بناء تصورياً جامعاً يتجاوز النظام أو السلطات الثلاث.

المعنى الرابع الشائع: اختزال الدولة في رئيس الجمهورية أو الملك أو الأمير أو السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة، أو في الجهاز الإداري الذي يتعامل معه «المواطنين» يومياً في تيسير أمورهم وقضاء احتياجاتهم، ومنها الحاجة إلى الأمن. هذا المنظور شاع في مصر في عهدي السادات ومبارك، وبعضهم يحاول ترويجه مؤخراً، وهو أمر يعنى وبوضح غياب التراكم والوعى التاريخي بالدولة كونه بناء تصورياً ومفهومياً جامعاً.

-أن ما يعطى هذه المعاني الشائعة والمغلوطة عن الدولة سطوتها في الوعى شبه الجمعي لبعض النخب السياسية الحاكمة والمعارضة، هو ضعف مستويات المعرفة بالدولة وتاريخها وأنماطها وتطوراتها وتعقيداتها، سواء في السياسة والمناهج التعليمية على اختلافها ما قبل الجامعية وما بعدها إلا في الدرس الأكاديمي القانوني أو في العلوم السياسية، ولا يستقر في ذهن الدارسين للعلوم الاجتماعية والقانونية السياسية.

إلا بعض من هذه المعاني الشائعة والغامضة والغائمة، ومن ثم لا يتأثرون بالدرس السوسيو- فلسفي، والسوسيو قانوني، والسوسيو- سياسي عن الدولة، ناهيك عن ندوة الأعمال الفلسفية والسياسية والتاريخية العميقة والرصينة حول الدولة وأنماطها ونماذجها وتاريخها. ثمة استثناءات لدى بعض من الباحثين والفلاسفة والسوسيولوجيين إلا أن ربط الدولة باحتكار القوة فقط، يشكل خطاً فادحاً في الوعى والإدراك السياسي.

-أن سطحية وبساطة ما نتلقاه يشير إلى أعطاب في تكوين النخب السائدة، لا سيما ضحالة التكوين المعرفي وضعف ثقافة الدولة والوعى التاريخي بها وتحولاتها.