&الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حوار: التقسيم الزماني والمكاني للأقصى لن يمر على الإطلاق


أجرى الحوار علي الصالح

&لم ألتق الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) منذ أربع سنوات بالتمام والكمال. إذ جرت العادة أن أجري معه سنويا حوارا مطولا، منذ اليوم الأول الذي انتخب فيه رئيسا في كانون الثاني/يناير 2005 وحتى أيلول/سبتمبر عام 2011.
وكان آخر حوار أجريته معه في طريق العودة من نيويورك بعد الخطاب التاريخي الذي ألقاه أمام الجمعية العامة في أيلول/سبتمبر من عام 2011 وقدم في نهايته طلب الاعتراف بدولة فلسطين عضوا كاملا في الأمم المتحدة، وأفشل القرار لعدم حصوله على الأصوات التسعة المطلوبة لمناقشته في مجلس الأمن بسبب الضغوط الأمريكية والإسرائيلية في حينه.


غير أن الفشل في عام2011 لم يردعه عن المحاولة مجددا في العام التالي، وأصر في تلك المرة على الحصول على الاعتراف وإن غير كامل، عن طريق الجمعية العامة. ونجح الفلسطينيون في تحقيق الاعتراف بدولتهم بغالبية الأصوات، عضوا مراقبا في الأمم المتحدة له جميع الحقوق والواجبات باستثناء التصويت والترشح.


وها هو أبو مازن يعود مجددا إلى الأمم المتحدة وتحديدا في الثلاثين من أيلول/سبتمبر، ليلقي كلمة يحدد فيها كما قال في حوار أجرته معه «القدس العربي» لا الحديث عن الدولة بل لرفع علمها أسوة ببقية دول العالم أمام مقر الأمم المتحدة في احتفال كبير في الثلاثين من هذا الشهر، يشارك فيه العديد من زعماء العالم رغم المعارضة الأمريكية والإسرائيلية كما هي العادة. وسيلقي خطابا كما قال لـ«القدس العربي» سيخصصه للحديث عن اتفاق اوسلو الذي لم تبق منه إسرائيل عمليا في عامه الـ22 الذي صادف يوم الحوار، سوى الاسم فقط.


○ بدأنا الحوار في هذه المناسبة بالسؤال عما سيقوله عن اتفاق اوسلو الذي وقع في البيت الأبيض الأمريكي وبرعاية الرئيس بيل كلينتون في حينها.
• سأتحدث عن اوسلو والخروقات والانتهاكات الإسرائيلية متمثلة بقرارات المحكمة الإسرائيلية العليا بالسماح بهدم المنازل الفلسطينية في مناطق «أ وب» وهما المنطقتان اللتان يفترض ان تكونا خاضعتين لسيادة السلطة الفلسطينية إداريا.. وسألقي في نهاية الخطاب قنبلة. ولن أكشف عن ماهية هذه القنبلة.


ورغم رفضه الكشف عن طبيعة هذه القنبلة، وبما أن لا شيء يمكن إخفاؤه في الأراضي الفلسطينية فكل سر هناك مكشوف، فإنه وحسب ما سربه أكثر من مسؤول، قد يعلن في خطابه وفاة اتفاق اوسلو وتحرر الفلسطينيين على الأقل من بعض التزاماته ان لم يكن جميعها، وفي مقدمتها التنسيق الأمني الذي اتخذ المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية قرارا بشأنه في دورته التي انعقدت في رام الله في مطلع آذار/مارس الماضي.
وجرى اللقاء مع الرئيس أبو مازن هذه المرة على الأرض وفي مقر الرئاسة في مدينة رام الله.. مع أن آخر حوارين أجريتهما معه ونحن في الأجواء أحدهما في عام 2010 في الطريق إلى الصين. والثاني في الطريق إلى نيويورك وأكملته عام 2011. وكان يفترض ان التقيه في نيويورك في عام 2012، لَكِن الأمن الأمريكي ولأسباب لا أعرفها رفض السماح لي بركوب الطائرة من مطار هيثرو في لندن وأحبطت المحاولة. ولم أتمكن من لقائه في السنتين الأخيرتين لأسباب قاهرة.
وخلافا لما تردده وتسربه بعض وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فإن أبو مازن الذي تجاوز الثمانين من العمر بدا خلال المقابلة حاد الذهن يتذكر أدق التفاصيل وهادئا جدا. وكنت قد استمعت لخطاب له قبل اللقاء بيوم واحد، خلال افتتاح معرض للمبدعين الفلسطينيين في مقر الهلال الأحمر الفلسطيني في رام الله العاصمة السياسية للسلطة. وتحدث في هذه المناسبة ولمدة خمس عشرة دقيقة ودون خطاب مكتوب، بطلاقة لسان يحسد عليها، ولغة عربية لم أستمع فيها إلى غلطة قواعدية واحدة، ناهيك عن تسلسل الأفكار.


وعودة إلى المقابلة وبما ان قضية القدس وما تتخذه سلطات الاحتلال الإسرائيلية وحكومتها من خطوات لفرض التقسيم الزماني والمكاني على الحرم القدسي الشريف الذي يضم بين جنباته المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، على غرار ما فعلته في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية في منتصف التسعينيات، فقد كان سؤالنا عن هذه القضية الملتهبة التي قد تفجر الوضع بأكمله في كل الأراضي الفلسطينية على الأقل.
○ إسرائيل تقوم عمليا بتقسيم المسجد الأقصى زمانيا وربما مكانيا بين اليهود والمسلمين/ ويدنس جنودها حرمات المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة المشرفة ويعيثون فيهما فسادا، ويعربدون ويطلقون الرصاص المطاطي وقنابل الغاز على المرابطين والمرابطات منتهكين كل الحرمات، ويخلفون الإصابات ويعتقلون الناس ويهينونهم. وقاطعني بلهجة حاسمة:
• التقسيم الزماني والمكاني.. لا نستطيع ان نجعله يمر على الإطلاق. ونحن ننسق مع الدول العربية صاحبة الشأن.. الأردن (باعتباره المسؤول عن رعاية الحرم القدسي) والمغرب (باعتباره رئيس لجنة القدس) وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. لم يعد الوضع يحتمل.. وليس مقبولا ما تفعله إسرائيل من تقسيم زماني ومكاني. والقدس خط أحمر ولن نسمح بالمساس بها.

منظمة التحرير جسم ضعيف وسيدمر

○ وما هي ملابسات الاستقالات والدعوة لعقد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني؟


• أرى في منظمة التحرير الفلسطينية جسما ضعيفا وسيدمر.. هناك طأبور داخلي يحاول منعنا من الإبقاء عليه حيّا ومتماسكا.. وقلنا للجنة التنفيذية يجب ان نبذل قصارى جهودنا لتماسك مؤسسات المنظمة وتفعيلها لنحافظ على هذا الجسم الفلسطيني. هذا أولا. وثانيا لم تقدم إسرائيل على أي خطوة إيجابية خاصة أننا طرحنا عليها أن توقف الاستيطان وتقبل بترسيم الحدود.. ورفضت ذلك.. هناك اتفاقيات دمرتها إسرائيل ومارست الابتزاز. وثالثا أمريكا لم تتقدم بأي بدائل والعرب من جانبهم منشغولون بمشاكلهم ولا نقلل من شأنها. طبعا هناك حركة حماس.. فهي لا تؤمن بالوحدة. عرضنا عليهم، تعالوا نشكل حكومة وحدة وطنية وليس حكومة وفاق، نذهب بعدها إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية.. فخرجوا علينا في موضوع الإطار المؤقت لمنظمة التحرير (إطار يضم الأمناء العامين للفصائل المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية إضافة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي). لن تكون هناك مصالحة مع حماس إلا إذا وافقت على حكومة وحدة وطنية تنتهي بالانتخابات.(عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الذي حضر اللقاء وكان حركة الوصل مع أبو مازن، قال موضحا: ليس هناك ما يسمى بإطار مؤقت هناك لجنة تفعيل وتطوير المنظمة لفتح الأبواب أمام حركة حماس لدخولها). هناك تدخلات من أمريكا وعرب وإسرائيل وفلسطينيين ومن هنا جاءت فكرة استقالتي… واستقال معي آخرون واتفق على عقد دورة للمجلس الوطني، وتم تأجيل الدورة بناء على نصائح. وشكلنا لجنة تحضيرية للإعداد إلى مؤتمر ناجح نأمل ان يعقد قبل نهاية العام الحالي.


○ يعني قصة المصالحة التي أصبح مجرد ذكرها يثير ضحك الناس وسخريتهم، غير واردة على المدى المنظور؟


• كما قلت لن تكون هناك مصالحة مع حماس إلا إذا التزمت بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل بشكل طبيعي في قطاع غزة وفق القانون المعمول به في الضفة الغربية، نذهب بعدها لانتخابات رئاسية وتشريعية.
قرار عربي في مجلس الأمن

○ هل ستعودون في الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة، بمشروع جديد إلى مجلس الأمن، مثل مشروع القرار الذي وعدت فرنسا بتقديمه ولكن الأمريكيين طلبوا منها تأجيله إلى حين الانتهاء من موضوع الاتفاق النووي مع إيران ونجاح الرئيس الأمريكي باراك اوباما بموافقة الكونغرس عليه؟


• إذا كان هناك قرار فإنه سيكون قرارا عربيا.. هناك لجنة عربية مكونة من الاردن والكويت والمغرب والجامعة العربية، تختلف عن لجنة المتابعة السابقة، وهي مفتوحة لمن يرغب في الإنضمام إليها، مسؤولة عن هذا الملف وهي التي ستقرر العودة مجددا إلى مجلس الأمن من عدمه وكيف. سنلتزم بما يتفقون عليه. أما الأمر المؤكد فهو أننا ذاهبون إلى الأمم المتحدة لرفع العلم الفلسطيني في الثلاثين من أيلول/سبتمبر. كان عندنا مشروع وذهبنا على أساسه إلى مجلس الأمن الدولي. قدمنا الطلب في30 كانون الأول/ديسمبر (2014) كنا متأكدين أن لدينا 9 أصوات حاولوا منعنا ولكننا أصرينا على تقديمه.. وقدم مشروع القرار في 31 كانون الثاني/يناير من منطلق انه لو حصلنا على الأصوات التسعة (بيكون كويس) وإذا جبنا ثمانية فيكون أحسن. وفشلنا في الحصول على الأصوات التسعة لأن نيجيريا تراجعت في اللحظة الأخيرة ولم يحصل القرار إلا على ثمانية أصوات فقط. تعرضنا لهجوم من الفصائل لا سيما الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية.. سقط مشروع القرار وكان في صالحنا لأننا لم يكن يسمح لنا بمناطحة أمريكا. وبعد الفشل في مجلس الأمن قررنا التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية كما وعدنا وشكلنا لجنة لمتابعة هذه المسألة وإعداد ملفات الاستيطان والقدس وهدم البيوت والجرائم التي ارتكبت خلال الحرب على قطاع غزة وأعمال القتل التي نفذتها وتنفذها قوّات الاحتلال ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، منها حرق الصبي محمد أبو خضير حيّا على أيدي متطرفين يهود وأخيرا وليس آخرا حرق الطفل الرضيع علي دوابشة ووالدته ووالده (توفيا لاحقا) وشقيقه أحمد الذي لا يزال في المستشفى ونتمنى له الشفاء العاجل. ووصفت الإدارة الأمريكية، حسب ما قاله وزير خارجيتها جون كيري لنا، قرار التوجه لمحكمة الجنايات الدولية بقنبلة نووية وحاولوا ثنينا.. وبقية القصة معروفة.
○ هل هناك إمكانية للقبول بيهودية الدولة الإسرائيلية من باب المناورة وكشف نوايا رئيس الوزراء الإسرائيلي وهو الذي يستخدمها فقط من أجل التهرب من استحقاقات عملية السلام واتفاقياتها؟
• لم يظهر مصطلح الدولة اليهودية في أي أدبيات إلا قبل سنوات قليلة.. فاتفاق اوسلو كان واضحا وهو الاعتراف بدولة إسرائيل مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.. والحديث عن دولة في إطار إعلان المبادىء الذي كان يفترض ان ينتهي بعد خمس سنوات أي في عام 1999 بإعلان الدولة الفلسطينية. إذا أرادت إسرائيل أن تكون دولة يهودية فسيكون هناك مبرر لداعش وغيرها ان تقيم دولة إسلامية في سوريا وغزة ومصر إلى آخره. وعندما قلنا (للأمريكيين) إن الاتفاقات تتحدث عن دولتين، دولة إسرائيل ودولة فلسطين، أشاروا إلى قرار التقسيم الذي يتحدث عن وطن قومي لليهود في فلسطين.. وكان ردي، فلنعد إلى قرار التقسيم ونطبقه. نحن نرفض بكل معاني الرفض مفهوم الدولة اليهودية. إن دولة إسرائيل التي تدعي اليهودية، استقبلت (بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام1989) مليونا ونصف مليون مسيحي ومسلم روسي. نحن نتصل بالرئيس فلاديمير بوتين والبطريرك الروسي من أجل إقناعهم ببناء الكنائس لهم.

الشأن السوري بين النظام والمعارضة

واختار أبو مازن الحديث عن الدور الذي لعبه ومنظمة التحرير الفلسطينية لإنهاء الصراع والإقتتال وحالة التشرذم التي يعيشها الوطن السوري.. فقال ان الموقف الفلسطيني واضح وصريح وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي. ولهذا جاء قرارنا منذ اليوم الأول للأزمة السورية عدم التدخل في ما يجري داخل سوريا، رغم ان العلاقات مع النظام السوري غير موجودة، ورغم أنهم كانوا يحتضنون ويؤيدون حركة حماس والجبهة الشعبية – القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل. كان فهمنا وهمنا أن الأزمة في سوريا لا تحل بالعمل العسكري.. المعارضة لن تستطيع إسقاط النظام، والنظام لن يستطيع القضاء على المعارضة. ومن مفهومنا هذا وإنطلاقا منه تدخلنا مرتين.. في مؤتمر جنيف الأول، وفي جنيف الثاني، ونسقنا مع موسكو وقدمنا مشاريع مكتوبة وعرضناها عليهم.. والتقينا مع جميع الأطراف، معارضة ونظاما ولم نتخذ موقفا من أي طرف. كان همنا الحفاظ على سوريا الوطن والشعب.. والحفاظ على وحدة أراضيه. قابلت وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف كما التقيت وزير الخارجية السوري وليد المعلم. وقلت للافروف والمعلم ان يطلبا من الرئيس بشار الأسد أن يخرج إلى الشعب السوري ويناشده ويدعوه إلى كلمة سواء. ويدعو جميع الأطراف دون استثناء إلى اجتماع ونحن سويا نختار المكان والزمان. كان سيكون لهذه الكلمة وقع السحر.. الأصدقاء سيقولون نعم، أما بالنسبة للأعداء فكان وقع هذه الدعوة عليهم كالصاعقة. واقترح لافروف ان يكون الاجتماع في روسيا. وأما المعلم الذي أكد لي على ان النظام لن يسمح لحماس بالعودة إلى سوريا، فقد وعد بطرح اقتراحنا على الرئيس الأسد لكنهم لم يأخذوا بالتفاصيل.