سمير عطا الله

في رحلة إلى الكويت كان على الطائرة فريق من اليابانيين الذين لا يكفّون عن الابتسام والانحناء. أحدهم كان إلى جانبي، وقد سألته عن غرض الرحلة، فقال تركيب آلات طباعية. سألت ما هي مهنته بالضبط، قال: «البراغي». قلت، وما بها البراغي؟ قال، هناك مهندس يضعها في مكانها، وآخر يحكم شدها، وعلى جاري التأكد من أن جميع البراغي في مكانها.


من دون أن يقصد أبلغني جاري سر اليابان. لكي ينتظم أي عمل، يؤدي كل صاحب عمل عمله. سئل مرة النائب بيار حلو عن برنامجه الرئاسي لوزارة التربية، فقال: «لا فكرة لدي عن الأمر. سوف أستعين بأفضل الخبراء».

معلم الفلاسفة، أرسطو، قال لنا إن كوكبنا هو مركز الكون، وكل الكواكب الأخرى تدور حوله. لم يكن ذلك اختصاصه. جاء العالم البولندي نيكولاس كوبرنيكوس في القرن السادس عشر وقال لنا الحقيقة: نحن من يدور حول الشمس. ومع ظهور التلسكوب ومراقبة النجوم عن «قرب»، كانت نظريات كوبرنيكوس (وغيره) تتأكد، وأفكار أرسطو «العلمية» تنسى لكي يبقى منها الأفكار الفلسفية التي أرغم من أجلها على الانتحار.


فشلت تجربة التأميم في العالم العربي لأن ضابط الفرقة أصبح رئيسًا للتحرير.. وأُغلق معمل الصابون عندما عُيّن رئيس التحرير مديرًا للمصنع. والحياة هي التي قسمت نفسها طوعًا بين فلاسفة ومهندسي «براغي». وكانت مهارة الياباني في أنهم سلموا بالأمر. وأداروا بلادهم وشركاتهم مثل فريق لكل اختصاصه فيه، ولا علاقة لأرسطو إلا بطرح الأسئلة. الأجوبة يقدمها كوبرنيكوس وغاليليو وإسحق نيوتن وابن الهيثم. عندما قال أرسطو إننا مركز الكون، كان في ذلك بعض التشاوف. الآن يقول العلماء إن هناك من الأجرام في الكون أكثر مما هناك من البشر في عالمنا. تطلع جيدًا في جميع المؤسسات التي تعرفها ترَ أن الناجح هو السيد تاكا تاكا، صاحب البراغي. الذين أخفقوا هم أرسطو والذين رأوا الدنيا تدور من حولهم. هؤلاء لا يعرفون الفارق بين الأشياء، ولذلك، تتحطم المؤسسات فوق غرورهم. أراد الرئيس الراحل أنور السادات تحطيم مؤسسة صحافية كبرى، فأرسل إليها مديرًا من عنده. خلال أسابيع، نزل توزيع المطبوعة من 105 آلاف نسخة إلى خمسة آلاف. حاذروا أن يحل أرسطو في معمل الصابون.
&