علي سعد الموسى

تسكن القنصلية الإيرانية في جدة بداخل أحد القصور الفخمة على ناصية شارع أنيق هادئ في واحد من أرقى أحياء هذه المدينة. والصدفة البحتة أن واحدا من أغلى أقاربي، بل ذروة أولادي يسكن الشارع المقابل، وكلما ذهبت إلى جدة تأخذني (الغارات) إلى زيارته للوقوف أمام هذه القنصلية. لماذا إذاً هذه المقدمة؟
أكتب لأنني أبدا لم أتفاجأ بصور إحراق سفارتنا في طهران ولا بقنصليتنا في مشهد بقدر دهشتي بتلك النزل المتواضعة التي أعطتها إيران للسفارة والقنصلية بما لا يليق بدولة بحجم المملكة العربية السعودية ولا بشعب المملكة، ولكم أن تمسحوا كل ما سبق في رأس المقال لندلف إلى السؤال: ما الذي سنخسره بعد القرار الشجاع التاريخي من (أبو فهد) بقطع العلاقات مع إيران؟ وهو السؤال الجوهري الأساسي الذي يطرحه علماء الاقتصاد والسياسة بعد كل قرار من هذا النوع؟ والخلاصة أنني أمضيت سواد مساء البارحة في البحث عن إجابة هذا السؤال وأعظم وأكبر ما خرجت به يمكن تلخيصه فيما يلي: تقع إيران في المرتبة (87) في ترتيب كل دول الكون من حيث حجم تبادلها التجاري مع هذه المملكة.

وكل التقارير الاقتصادية تذكر أن أبرز ما نستورده من هذه الجارة لا يتعدى (الزعفران) و(الفستق) مع انقراض سوق السجاد الإيراني الشهير، وكل هذه سلع لا علاقة لها بصلب حياتنا اليومية.

خذ من أرقام التقارير مثلا أن عدد الجالية السعودية في كل مدن إيران لا يتعدى 40 دبلوماسيا ودعك من بقية المتسللين الهاربين إلى جوامع (قم) ومدارسها المختلفة. وفي المقابل يقول أحد التقارير إن هذه المملكة تستقبل في العام الواحد ما يقرب من 300 ألف حاج ومعتمر إيراني يشكلون ما يقرب من 19 % من أعداد القادمين من الخارطة الإسلامية إلى دولة تصرف من المال العام ما معدله 80 مليار ريال على خدمات الحجاج والمعتمرين في العام الواحد، ولكم أن تحسبوا بقية ما تبقى من النسبة.

وفي التقرير الاقتصادي الخطر: هناك في المعدل 10 رحلات يومية ما بين مجرد مطارين سعوديين إلى 7 مدن إيرانية ولا مكان فيها للسعودي إلا لمقعد من كل 3000 مقعد. وهذا الرقم لوحده يشرح كل القصة في الجواب على السؤال: ما الذي سنخسره من قطع العلاقات ما بين البلدين؟ نحن لا نستورد من إيران إلا مجرد الزعفران والفستق.

وبعد قراءة كل هذه التقارير فهي أول دولة في ميزان التبادل الفكري العدمي. إيران كانت أول حادث إرهابي حقيقي في خارطة هذا البلد يوم (أبراج الخبر) مثلما كانت صانع أول قنبلة طائفية في مختبرات (قم) ثم أعادتها إلينا باسم (نمر النمر). انتهت المساحة.