& منى المنجومي

قال مدير الشؤون السياسية في منظمة التعاون الإسلامي السفير طارق بخيت إن العدوان الذي تعرضت له السفارة السعودية في طهران مشجوب ومستنكر، طبقاً لكل الاتفاقات والالتزامات الدولية. وشدد على أن دول المنظمة الإسلامية الكبرى، تجمعها قناعة بأن «تأجيج الطائفية يهدف إلى تقسيم المجتمعات الإسلامية ولا يرمي إلى إعلاء الراية الإسلامية مثلما يحاول بعضهم تمريره». في إشارة إلى إيران.

وأكد في تعليق على الأزمة الديبلوماسية بين الرياض وطهران أن المنظمة عازمة على مواصلة العمل؛ «لحث جميع الأطراف إلى الاحتكام للغة العقل لتجاوز بوادر الاحتقان الطائفي الذي تشهده المنطقة، وهي لا تدَّخر وسعاً، من أجل القيام بدور فاعل والإسهام في تخفيف التوتر الطائفي في العالم الإسلامي وتعمل بصفة مستمرة على بحث الأسباب الكامنة وراء العنف الطائفي ومحاولات تسييس الخلافات الطائفية».

واستطرد بالقول: «من البديهي أيضاً القول إن المنظمة يمكنها القيام بدور المساعي الحميدة في حال طلب منها أو موافقة الأطراف المعنية بالنزاع، فمسألة الوساطة ليست مسألة اختيار من المنظمة أو هي مرتبطة باتخاذ قرار أحادي الجانب والمضي فيه بشكل غير مدروس، وهنا يجب التأكيد مجدداً على أن المنظمة تحترم ما ينص عليه ميثاقها، وهو أحد أسباب استمرار عملها، والمكانة التي تحظى بها حالياً هي نتاج لاحترامها للميثاق الذي وضعته الدول الأعضاء، وتم الإجماع عليه بما ينسجم مع مصالح جميع الدول الأعضاء ويتلاءم مع الأهداف التي أُسست المنظمة من أجلها».

لافتاً إلى أن المنظمة باعتبارها منصة يتم من خلالها ووفقاً للآليات المتاحة خصوصاً بعد إنشاء وحدة للسلم والأمن في الأمانة العامة تأمل بأن تلجأ إليها الدول الأعضاء لإحلال السلم والأمن والمساهمة في تخفيف أي تصعيد وتوتر مراعاة لمصلحة كل الدول.

وأضاف: «من المتوقع أن يبحث الاجتماع الاستثنائي على مستوى وزراء الخارجية للدول الأعضاء، والذي دعت لانعقاده في السعودية، التطورات الأخيرة المؤسفة بخصوص الاعتداءات على مقرات البعثات الديبلوماسية والقنصلية السعودية في إيران، والتي أدانتها الأمانة العامة للمنظمة». مشيراً إلى أنه سيجري نقاش مستفيض من جانب وزراء الخارجية حول المحور الرئيس للاجتماع المتعلق بطلب السعودية بحث الاعتداءات الأخيرة المسجلة على مقرات بعثاتها الديبلوماسية والقنصلية في إيران. ومن السابق لأوانه الحديث عما سيصدر عن هذا الاجتماع من نتائج.

وقال: «سيتم بطبيعة الحال وكما جرت العادة سابقاً توفير المعلومة اللازمة لكل وسائل الإعلام، وإبلاغ الرأي العام بما يتوصل إليه هذا الاجتماع من نتائج بكل وضوح وشفافية، والمنظمة في إطار عملها تلتزم بإعلان كل ما سيصدر عن هذا الاجتماع من توصيات وقرارات، إضافة إلى متابعتها كل التطورات الخاصة بهذا الملف الدقيق».

مشيراً إلى أن ما يمكن تأكيده هو أن المنظمة ملتزمة بما ورد في ميثاقها، ولا يمكنها في أي حال من الأحوال التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة من الدول الأعضاء، كما لا يمكنها الانحياز لدولة على حساب أخرى». وأردف قائلاً: «تلتزم المنظمة بتعزيز العلاقات الودية والاحترام المتبادل بين الدول، ولا تسهم إطلاقاً في تأجيج أي تصعيد أو توتر، بل على العكس فهي تدعو لاحترام سيادة الدول والالتزام بالقانون الدولي، وتحرص على المساهمة في إحلال السلم والأمن في المنطقة بما فيه مصلحة الجميع، وبما يخدم الوحدة والتضامن بين الشعوب المسلمة والدول الأعضاء».

وأضاف: «من هذا المنطلق أعربت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي عن شجبها للاعتداءات على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد؛ ودعت إلى ضرورة احترام اتفاق فيينا للعلاقات الديبلوماسية لعام 1961، واتفاق فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963، والقانون الدولي الذي يحمي حرمة البعثات الديبلوماسية لدى أية دولة». مؤكداً أنه منذ تأسيس المنظمة أوكل لها دور مهم في حل النزاعات في عدد من الدول الأعضاء، وذلك بموجب القرارات التي تم الاتفاق عليها في القمم الإسلامية السابقة، وفي مجالس وزراء الخارجية والاجتماعات الوزارية للدول الأعضاء. وقال: «نجحت المنظمة بشهادة الملاحظين في تحقيق نتائج يمكن اعتبارها إيجابية نسبياً بالنظر إلى التعقيدات التي تصبغ بعض القضايا، وتشابك المصالح أحياناً، وصعوبة إلزام كل الأطراف بتنفيذ أو الالتزام بما تم الاتفاق عليه في أحيان كثيرة. وحاولت المنظمة المساهمة فعلياً في التخفيف من حدة التصعيد، ولم تتوان عن المساهمة في إحلال الاستقرار في العديد من المناطق، والعمل بجهود مكثفة على تقريب الفرقاء وتوفير الفرص أمامهم للتشاور والحوار قصد تباحث السبل الكفيلة بالخروج من الأزمات بما يخدم القيم الإسلامية النبيلة من عدل ومساواة وكرامة إنسانية».

وحول عمل منظمة التعاون الإسلامي بخصوص محاربة التطرف والطائفية، قال بخيت: «يجب التأكيد على أن منظمة التعاون الإسلامي عازمة على مواصلة العمل لحث جميع الأطراف على الاحتكام للغة العقل لتجاوز بوادر الاحتقان الطائفي الذي تشهده المنطقة. وهي لا تدخر وسعاً من أجل القيام بدور فاعل، والمساهمة في تخفيف التوتر الطائفي في العالم الإسلامي، وتعمل بصفة مستمرة على بحث الأسباب الكامنة وراء العنف الطائفي ومحاولات تسييس الخلافات الطائفية». وزاد: «تعتبر المنظمة أن هذا التوجه يهدف إلى تقسيم المجتمعات الإسلامية، ولا يرمي إلى إعلاء الراية الإسلامية على عكس ما يحاول البعض تمريره من أفكار وهو أمر في الحقيقة غير مبرر، ويعبر عن أنانية مفرطة لبعض الأطراف، ويقيم الدليل على قصر نظر البعض، وتعلقهم بمصالح وقتية وآنية وتسابقهم نحو السلطة، ما يفسر محاولاتهم المستمرة لتأجيج الرأي العام من خلال خلق صراعات نظرية بعيدة عن الكنه الحقيقي للدين الإسلامي وقيمه الإنسانية النبيلة، وإن تحفيز المناصرين لغايات لا تخدم إلا مصالح شخصية ضيقة ليقيم الدليل على أن هؤلاء لا يأبهون بتعميم الفائدة والمصلحة لشعوب المنطقة، ولا يعملون إلا لخدمة نظريات واهية وهي نتاج فكري غير منطقي وغير معقول». واستطرد بالقول: «أعتقد أن المواطن في المجتمعات الإسلامية له من الوعي والفكر الكافيين ليجعلانه مقتنعاً بأن توفير الأمن والاستقرار بعيداً عن مثل هذه الصراعات المؤسفة أمر يعود بالنفع له أساساً ولجميع أبناء وطنه، وأن دخول المنطقة في صراعات طائفية لن يخدم البتة مصلحة طرف من دون آخر أو مجموعة دون أخرى، فالضرر سيلحق بالجميع، وفتيل الأزمات وتداعياتها لن تستثني مجموعة من دون أخرى، فالمفكر العاقل لن يريد حتماً للمنطقة أن تغرق في حروب ونزاعات تدفع بمواطنيها وشعوبها إلى اللجوء والهرب، وفقدان الانتماء للوطن، والاعتزاز بالهوية الإسلامية، والانضواء تحت طوائف هي غير قادرة على تحقيق الأمن لنفسها، أو غير مؤهلة للعمل من أجل التنمية والتطور، وليست لها قدرات حقيقية غير تأجيج الصراع الديني والترويج لنظريات أثبتت فشلها».

&المذهبية الضيقة لا تخدم علاقات دولنا&

وأوضح بخيت أنه من الضروري القول إن مثل هذه الأفكار والنزاعات الطائفية وخدمة البعض للأجندات المذهبية الضيقة لا تسهم بأي حال من الأحوال في دعم علاقات التعاون والتضامن والإخوة بين الدول الأعضاء في المنظمة وشعوبها، كما أنها تهدد المنطقة بالتفكك والرجعية وعدم مواكبة تطور التاريخ. وأضاف: «تؤمن منظمة التعاون الإسلامي بضرورة العمل، أكثر من أي وقت سبق، على أن تتضافر جميع الجهود لمواجهة التحديات المشتركة ومحاربة الإرهاب والفكر المتطرف وخطر الانقسام الطائفي، والعمل بكل تضامن ووحدة من أجل توحيد الصف وجمع الكلمة وتقريب وجهات النظر، والتأكيد على ما هو مشترك وجامع وموحد وببساطة أكثر على احترام القيم الإسلامية واحترام الدين الإسلامي». مبيناً «في تقديرنا فإن استمرار التحريض والتشجيع على الانقسامات العرقية والمذهبية يمكن أن يخرج عن السيطرة، ويتجه بالمنطقة إلى تداعيات أمنية واقتصادية تكون لها آثار سلبية على شعوبها وعلى السلم والأمن الدوليين».

واستطرد بالقول: «من الضروري أن تعي الأطراف التي تغذي هذا الاحتقان خطورة هذا التوجه، وأن تغلب صوت العقل وتبتعد عن وضع الرؤى والمصالح الطائفية والعرقية فوق اعتبارات المصالح المصيرية والعامة، انطلاقاً من الوعي بالمسؤولية السياسية ودورها في خدمة القضايا الإنسانية».

وأردف قائلاً: «يجب أن أذكر أن اجتماع اللجنة التنفيذية على المستوى الوزاري الذي عقد في مقر المنظمة في شباط (فبراير) الماضي حذر من خطورة تغذية الأجندة الطائفية، لما لها من خطورة بالغة على أمن واستقرار الدول الأعضاء والتي هي أحوج لتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات الماثلة التي تواجه العالم الإسلامي».&&

«قمة تركيا» ستناقش تفشي ظاهرتي «الإرهاب» و«الطائفية»&

< قال المدير العام لإدارة الشؤون السياسية في منظمة التعاون الإسلامي السفير طارق بخيت لـ«الحياة»: «إن العالم الإسلامي شهد خلال السنوات الأخيرة تحديات غير مسبوقة تستلزم استجابة جماعية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والإنسانية والعلمية. ويمكن أن ينمي التعاون في هذه المجالات مشاعر التضامن لتوحيد جهود هذه البلدان، بهدف إيجاد حلول جماعية للمشكلات التي تواجهها، وبالتالي المساعدة في بلوغ الأهداف السياسية الكبرى لمنظمة التعاون الإسلامي».

وأضاف: «من المتوقع أن تركز أجندة التعاون الجديدة لمنظمة التعاون الإسلامي على مجالات تثري متطلبات المرحلة التي تمر بها دولها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، مسترشدة بما نص عليه برنامج العمل العشري الجديد حتى 2025 الذي سيعرض على القمة بوصفه وثيقة تضم مفاتيح إنجاز عملية الإصلاح في العالم الإسلامي».

وأضاف: «ستتيح القمة المقبلة في تركيا الفرصة لقادة الأمة الإسلامية التعرف على التحديات والمخاطر القائمة، وبلورة رؤية أكثر طموحاً وشمولاً وتطلعاً إلى الأمام، وتحديد السبل الكفيلة بتمكين منظمة التعاون الإسلامي من تقديم مساهمة أكبر لخدمة قضايا العالم الإسلامي». وتظل القضية الفلسطينية هي القضية الأولى التي ستتصدر أجندة القمة بوصفها تمثل أكبر تحد سياسي يواجه الأمة الإسلامية، إذ تواصل إسرائيل بناء المستوطنات كما تواصل انتهاكاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني بالقتل والاعتقال والتشريد وتدمير الممتلكات، وإعاقتها حرية الحركة والعبادة والتنقل، وفرض الحصار على قطاع غزة، والسيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية وحدودها، ومواردها الطبيعية، وأجوائها، ومياهها، ومقدراتها الوطنية». وأكد أن «الإرهاب يشكل تحدياً كبيرا أمام السلم والأمن والاستقرار في الدول الأعضاء وفى كل جزء من العالم تقريباً، لذلك سيكون من ضمن أجندة القمة التي ستبحث أيضاً خطر الجماعات المتطرفة التي اختطفت الإسلام، وأعطت لنفسها حق التحدث باسمه، والإسلام بمنظومة قيمه ومقاصده وما يدعو له من عدل ومساواة، وتواؤم وتعايش وإعمار، براء منها، علاوة على بحث خطر الفتنة الطائفية التي أصبحت تشكل تحدياً كبيراً لدول الأعضاء، وتغذي أجندة الصراع المذهبي الذي نراه ينمو، ما يؤدي إلى جلب المخاطر على الجميع».