&عربيا وعالميا.. قاعدة طهران "ميليشاوية" وليست شيعية أو شعبية&

التعصب للأقلية عقيدة غربية فهي كدول تشكلت من أقليات، وعقدة لأنها لم تستطع تجاوز مجموع أزماتها الهوياتية التاريخية.

&تركي التركي من الرياض

&

"المظلومية" و"الظلم" رغم تناقضهما الظاهر إلا أنهما عماد الثورة الخمينية وسياساتها منذ انطلاقها وانقلابها على حلفائها في الثورة الشعبية، فالخمينية التي كانت تشتكي من ظلم الشاه ما لبثت يوم استتب لها الأمر أن أطاحت بكل من أرادوا الخير لبلادهم على اختلاف أعراقهم ومذاهبهم (من فرس، كرد، عرب، آذريين، بلوش وغيرهم) لتعدم المئات وتزج بالآلاف في السجون باستثناء من يؤمنون معها بولاية الفقيه وقدسيته وبضرورة تصدير الثورة وتعميم مبادئها على كل العالم.

&

تصدير "المظلومية"

وبعد أن كان الحديث عن مظلومية الداخل ومشاكله الاقتصادية والاجتماعية بتنوع أفراده وتعدد مذاهبه أصبح الحديث عن مظلومية الخارج من طائفة واحدة حصرا، عن سابق إصرار وترصد، وطمعا في استقطاب أكبر عدد ممكن من الموالين لهذه الفكرة التوسعية، حتى وإن كان ذلك على حساب التدخل في شؤون الآخرين وإثارة الفتنة بين أفراد الوطن الواحد.

&

إعلان

وكأي فكرة ترتهن على ادعاء النضال والدفاع عن المضطهدين فقد لاقت رواجا بين جماعات مسلحة مدفوعة بالمال والسلاح، وجماعات أخرى فقيرة، مغيبة ومخدوعة، إذ وجدت مع هذه المرجعيات رعاية لا يمكن تجاهلها وسط ظروف مالية ومعيشية في بعض البلدان العربية والإفريقية والآسيوية قاهرة وصعبة، ومن هنا نصبت طهران نفسها المدافع الوحيد عن حقوق الشيعة أو من أراد التشيع حول العالم حتى لو لم يطلب منها ذلك، من قبل الشيعة أنفسهم.

&

ولكنها ورقة "المظلومية" التي أثبت التاريخ أن ثورة الملالي لا تستطيع العيش من دونها فكان أن وسعت اللعب بها دبلوماسيا وتفاوضيا ليشمل ذلك سياساتها الخارجية مع الغرب في محاولة لشيطنة المجاميع العربية ودولها وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بحكم ريادتها وقيادتها إسلاميا بعد عقود من زرع الميليشيات المسلحة التابعة لها في كثير من البلدان من آسيا إلى إفريقيا، بداية على شكل جماعات دعوية وإخوانيات مذهبية، تدعي السلمية، ثم ما تلبث أن تتحول مع الوقت والتمويل إلى جماعات مسلحة جاهزة لتنفيذ أوامر قم تماما كما هو الحال مع حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن و(IMN) في نيجيريا.

&

علما بأن هذه الميليشيات تنتظر فقط فرصة فراغ سياسي وأمني، كما حدث ويحدث بسبب الاضطرابات العربية الأخيرة في سورية والعراق، لتنقض بقضها وقضيضها على مفاصل الحكم. مقدمة إياه لمن مولها ورعاها طوال عقود من الإعداد والتجهيز والعسكرة استعدادا لهذه اللحظة التي لا تفوتها طهران لتبدأ بحشد رجالها من كل مكان طمعا في تغيير ديموغرافي وثقافي شامل في هذه المناطق، بدأت تشهده وتعانيه محافظات عراقية بعينها، وفقا لتقارير صادرة أخيرا.

&

عقدة وعقيدة

ورغم خطورة هذا الوجود الخفي والمعلن لخلايا إيران الذي باتت تدركه كثير من الدول العربية وغير العربية على كياناتها السياسية والاجتماعية، لا تزال بعض الدول الغربية ممثلة في مراكز أبحاثها وبعض جامعاتها تفسر هذا الوجود لصناع القرار من السياسيين الغربيين بوصفه "قاعدة دينية شعبية وأقليات اجتماعية مستضعفة في الوقت ذاته"، أقليات يمثل التعصب لها ـ وليس التعاطف ـ عقدة وعقيدة غربية في الوقت ذاته، وهو ما حدث مع تفسير بعض الجهات السياسية والإعلامية لحكم القصاص الصادر بحق نمر النمر، خصوصا، فقط لأنه شيعي في حين تغافلت عن أدواره الشخصية الموثقة أمنيا وعدليا في العنف والتحريض كما تغافلت عن باقي المطلوبين.

&

التعصب للأقلية عقيدة لأن كثيرا من الدول الغربية الحديثة تشكلت من مجموع أقليات، وعقدة وكابوس مستمرين لأنه لم تستطع كثير من هذه الأقليات الغربية تجاوز أزماتها الهوياتية التاريخية تجاه هذا المكون وأزماته ولا تزال تقتات عليها سياسيا واجتماعيا، ما امتد بدوره ليشمل الأحزاب الغربية وسياسييها، إذ لا تكاد تخلو الحملات السياسية الغربية من مناصرة لقضايا الأقليات المحلية وحتى الخارجية بهدف كسب مزيد من التأييد والأصوات، ما دفع الحكومة الفرنسية لإعلان تبرعها العام الفائت فقط رغم أزمتها الاقتصادية الخانقة بمبلغ 25 مليون يورو تحديدا لمن أسمتهم "أقليات" الشرق الأوسط المضطهدة. والحكومة الأمريكية ليست بعيدة عن تمويلات وتدخلات مشابهة، ففي الوقت الذي أدّى فيه تدخل إيران و"حزب الله" إلى مقتل أكثر من 200,000 سوري، معظمهم من المدنيين السنة، وسط تقاعس الولايات المتحدة، لم تتحرك واشنطن ضد تنظيم "داعش"، إلا باسم الأقليات العراقية المحاصرة (اليزيديين في سنجار، والتركمان في قرية آمرلي، والأكراد في أربيل).

&

وهذا تماما ما استغلته بخبث الدعاية الإيرانية الثورية من خلال لوبيات الضغط وأذرعها الإعلامية والسياسية المنتشرة حول العالم، حين صورت للعالم الغربي وعلى رأسه أمريكا أنها والأقليات الشيعية يتعرضون لظلم الأغلبية وأنهم بالتالي في خندق واحد مع الغرب ضد إرهاب داعش وغيره من التنظيمات.

&

ولكن ما يتجاهله السياسي الغربي في فورة هذا التعاطف، لمصالح سياسية واقتصادية، وما لم تذكره طهران أيضا، أن الأخيرة هي التي مهدت لظهور هذه التنظيمات التي تقاتل وتقتل على الهوية والمذهب إما من خلال رعايتها وحمايتها لرؤوس الإرهاب وزعمائه كالقاعدة وغيرها، أو عبر تغذية التشيع المسلح حول المنطقة، الذي خلق بدوره حركات سنية ضدية كداعش ما كان لها أن تجد من تستقطبه أو تجنده في المنطقة وخارجها لولا وجود عدو مسلح قائم ومؤسس على بعد طائفي مذهبي، ولولا وجود جيوب وفراغات سياسية وأمنية على مساحات واسعة من الأراضي العربية أسهم الغرب بسياساته المتراكمة والمتذبذبة في حدوثها.

&

أكذوبة "الشعبية"

قاعدة إيران الشعبية والشيعية، عربيا وعالميا، هي الأكذوبة التي يريد لها حرس الثورة الإيرانية أن تستمر؛ لأن استمرارها يعني استمرار مصالحه، وأوراق ضغطه، في الداخل الإيراني المعدم وفي الخارج المستهدَف، بينما الحقيقة لا تتعدى ميليشيات متفرقة هنا وهناك اتخذت من تغذية الطائفية وإثارتها أداة للاستقطاب والتسليح تماما كما يفعل تنظيم داعش الإرهابي، مراهنا بدوره على شعبية "دولته" المزعومة وإمكانية تمددها وتوسعها في هذه الأجواء المشحونة بالعنف والطائفية.

&

"على عكس ما أراده ونادى به كثيرون من علماء الشيعة الآخرين في النجف العراقية أو حتى في قم الإيرانية نفسها مثل السيد أبو القاسم الخوئي والشيخ محمد مهدي شمس الدين والمرجع الراحل محمد حسين فضل الله، هؤلاء رفضوا احتكار الدين والمذهب، ودمج الدين بالسياسية كما يمارسه الإيرانيون بعقلية فوقية اصطفائية، وحاولوا منع استخدام واستثمار الأيديولوجيا الدينية في مستنقعات السياسة اليومية، كما واجهوا فكرياً وبقوة كل عمليات الربط المذهبي الخاص بين التشيع الديني والتشيع السياسي، فقالوا – في مواجهة فكرة ولاية الفقيه الدينية والسياسية التاريخية المعروفة - بـ"ولاية الأمة على نفسها"، كما رفضوا فكرة ولاية الفقيه التي تعطي العصمة للفقيه ولي الأمر، وتحله محل الإمام المعصوم مقاماً وسلوكاً، كما طالبوا كل شيعة العالم في كافة الأوطان العربية وغير العربية بألا يكون لهم مشروعهم الديني السياسي المذهبي الخاص بهم، بل دعوهم إلى أن يكونوا مجرد مواطنين صالحين في بلدانهم مثل باقي المواطنين من باقي المذاهب والأطياف، لينخرطوا من موقع المواطنية المدنية الصالحة في بناء وتطوير مجتمعاتهم وبلدانهم، مواطنون قبل أن يكونوا مذهبيين وشيعة وتابعين.

&

إيران في وضعها الحالي مختطفة من حرس ثورتها، المتنعمين وأعوانهم حصرا بخيراتها، وتفتقد لأبسط مقومات الدولة ومؤسساتها ما انعكس على تخبطها وسياساتها الخارجية المنفصمة حيال مواقفها تجاه الآخرين، فالمرشد ومستشاروه ممن يحسبون دوليا على الخط المتشدد، يصرحون بأمر في حين يصرح الرئيس روحاني ووزيره ظريف، المكلفان بمهام الدبلوماسية، بتصريحات مغايرة، حيال الظرف والحدث نفسه. حادث إحراق السفارة السعودية وقنصليتها كمثال، ومع ذلك لا يزال الغرب بقيادة الرئيس أوباما يراهنون على إصلاح البيت الإيراني من داخله، رغم علمهم بحقيقة من يحكم إيران فعليا، حتى لو كلّف ذلك خراب وإحراق المنطقة بأكملها.

&

يبقى أن الأمر الآن بيد السعودية التي أخذت عمليا بزمام المبادرة من جديد بعد قطع العلاقات أخيرا، لتشكيل موقف عربي ودولي موحد ضد أطماع إيران في المنطقة، والحلول كثيرة سياسيا واقتصاديا شرط أن تتحد المواقف وتجتمع على كلمة واحدة في وجه التعنت والخبث الإيراني.