فواز العلمي

لا بد أن نجعل من أسواقنا ملاذا آمنا لأفضل بيئة أعمال استثمارية في العالم، وموطنا رئيسيا لصناعة وتصدير أجهزة تقنية المعلومات، وقطع غيار محطات التحلية والكهرباء ومعدات النقل ومواد البناء

&


تقاس مصداقية الدول بمدى تحقيق المسؤولين أهداف خططهم، ومقدار احترام المواطنين أنظمة حكوماتهم. وتزداد ثقة الشعوب بمستقبل أجيالهم لدى تربع مؤسساتهم وأجهزتهم أعلى مستويات كفاءة الأداء، لتوفي بوعودها وتحقق طموحات ورفاهية مواطنيها. لذا سارعت المملكة لتأسيس مركز قياس الأداء التابع لأعلى سلطة في الدولة، وحددت مؤشرات نجاحاته وكفاءة أداء أجهزته التنفيذية للتأكد من سلامة نتائجه.


ولأن هنالك فرقا شاسعا بين الإصلاح والتغيير، حيث يرتبط التغيير بإحداث شيء لم يكن قبلَه، أو انتقال الشيء من حالة إلى حالة أخرى، بينما يهدف الإصلاح إلى تحسين وضع هذا الشيء أو تعديل مساره أو تحويل نظامه، جاء برنامج التحول الوطني في المملكة كضرورة مُلحّة لمواجهة التحديات المحلية والإقليمية والدولية من خلال إصلاح الاقتصاد وتعديل مساره لتحسين مستوى المعيشة وزيادة نسبة الرفاهية وتخفيف الاعتماد على النفط كسلعة وحيدة للدخل.


قبل إعلان ميزانية 2016 بثلاثة أسابيع عقدت المملكة ورشة عمل حول مشروع التحول الوطني، وتمت خلالها مناقشة تقويم أداء الوزراء ورفع كفاءة أجهزتهم الحكومية، وخصخصة قطاعاتهم التنموية، وتمكين القطاع الخاص من مهامه الأساسية، مع التركيز على دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة. ويأتي هذا البرنامج بعد قياس أداء الأجهزة الحكومية لحوالي 551 مؤشرا إستراتيجيا و17 مكونا رئيسيا، كان في مقدمتها خدمات التعليم والصحة والإسكان والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى البيئة العدلية والخدمات البلدية والبنى التحتية. وتم تحديد عام 2020 موعدا موثقا لقياس أداء تنفيذ الخطط والبرامج المطروحة من قبل المسؤولين في الأجهزة الحكومية. كما لم يغفل مشروع التحول الوطني مناقشة تفعيل مؤسسات المجتمع المدني، باعتباره رافدا مهما للقطاعات الحكومية.


ولتحقيق أهداف التحول الوطني نحتاج إلى تركيز جهودنا على معالجة التحديات المزمنة التالية:
أولا: ضرورة مطالبة الأجهزة الحكومية بإصدار تقاريرها الدورية التي توضح نتائج معالجتها لتحدياتنا المزمنة، من خلال إعلان النسبة المحققة شهريا في توليد وتوطين الوظائف، ومعدلات النمو الاقتصادي المطلوبة، وزيادة القيمة المضافة المحلية، ومساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي. وهذا سينعكس إيجابا على تقدم مرتبتنا المشرفة في مؤشر التنافسية العالمية بين الدول التي تضم 12 مؤشرا رئيسيا و110 مؤشرات فرعية، تبدأ بتقييم مدى جاهزية المؤسسات، والابتكار، وبيئة الاقتصاد الكلي، والصحة، والتعليم الأساسي، والتعليم الجامعي والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، وتطوير سوق المال، والجاهزية التقنية، وحجم السوق، وتنتهي بتقييم مدى سهولة الأعمال.


ثانيا: ضرورة محافظة المملكة على مراكزها المتقدمة في الأمم المتحدة، ومجموعة العشرين، ومنظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد، والبنك الدولي، ومنظمة العالم الإسلامي التي أطلقت المملكة من خلالها 14 مبادرة محلية وإقليمية ودولية، أهمها مبادرة الحوار بين الأديان، والمبادرة العشرية بين الدول الإسلامية، ومبادرة الاتحاد الخليجي. وهذا سيؤدي إلى مواصلة المملكة في تحقيق أكثر من 245 إصلاحا اقتصاديا، وتصدرها لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في جذب رؤوس الأموال، وتقدمها عالميا إلى المرتبة الـ4 في الحرية المالية، والمركز الـ7 لأفضل النظم الضريبية. كما سيؤدي ذلك، كما جاء في تقرير مؤسسة "ماكينزي"، إلى مضاعفة ناتجنا المحلي الإجمالي خلال العقد القادم بنسبة 280 %، وارتفاع عدد مصانعنا بنسبة 175 %، وزيادة عدد جامعاتنا بنسبة 300 %، لتصبح المملكة في عام 2025 مثالا للاقتصاديات الناشئة في سرعة تكيفها مع المتغيرات العالمية، ليس لامتلاكها 25 % من احتياطي النفط العالمي فقط، بل لتمتعها بأكبر الأسواق التجارية الحرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي فاقت قيمتها 25 % من مجموع الناتج المحلي الإجمالي العربي.


ثالثا: ضرورة تخفيض اعتمادنا على النفط كمصدر وحيد للدخل، وتمكين قطاعنا الخاص في مسيرته التنموية لتنويع مصادر دخلنا وتوسيع قاعدتنا الإنتاجية، وتسريع فتح أسواقنا المحلية للاستثمار لرفع مستوى القيمة المضافة المحلية وزيادة حجم صادراتنا غير النفطية. ولتحقيق هذا الهدف يجب أن نجعل من أسواقنا ملاذا آمنا لأفضل بيئة أعمال استثمارية في العالم وأكبر قوة تنافسية في المعمورة، وموطنا رئيسيا لصناعة وتصدير أجهزة تقنية المعلومات وقطع غيار محطات التحلية والكهرباء ومعدات النقل ومواد البناء. ولتأمين مستقبل أجيالنا والمحافظة على رصيدنا في المالية العامة علينا زيادة متوسط معدل النمو في ناتجنا المحلي الإجمالي، والذي حقق في العام الماضي المركز الثالث بعد الصين والهند، ومواصلة تخفيض نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي الذي لا يتعدى 5.8 %.


رابعا: ضرورة التركيز على الاستثمار في الاقتصاد المعرفي لمواصلة تفوقنا في هذا المجال، حيث أكد تقرير البنك الدولي أن المملكة سبقت أكثر دول العالم تقدما في تصنيفها العالمي، وقفزت 26 مرتبة منذ عام 2000 لتحتل في العام الماضي المركز الـ50 من بين 146 دولة في المعمورة. وهذا يتطلب مواصلتنا في تمكين مدارسنا وجامعاتنا من وسائل البحث والمعرفة والابتكار، لكي تقفز المملكة في عدد براءات الاختراع من المركز الـ30 بين 181 دولة في العام الماضي إلى المرتبة الـ10 في عام 2025، وتحافظ على مرتبتها الأولى بين الدول العربية في اعتماد 50 % من إجمالي براءات الاختراع، لتحقق المملكة أعلى نسبة ارتفاع في المعدل السنوي للنشر العلمي للدراسات العلمية والأبحاث بمقدار 33 %، تلتها الصين بمقدار 13 %، ثم البرازيل بنسبة 9 %، وكوريا الجنوبية بنسبة 7 %.


شاركونا في تحقيق أهداف برنامج التحول الوطني، لنستحق بجدارة تصنيفنا بين دول العالم الأول.
&