&شملان يوسف العيسى

في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة السعودية على لسان الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد بأن من يدفع باتجاه حرب بين المملكة وإيران ليس في كامل قواه العقلية، ورغم الإدانة العربية الجماعية للاعتداءات الإيرانية، لم يدع إلى تصعيد الخلافات السعودية الإيرانية. بعض رجال الدين في السعودية من السنة والشيعة من جماعات الإسلام السياسي بدلاً من تبني الخطاب الديني المعتدل والمتسامح لتخفيف أخطار الطائفية وإبعادها، نجدهم يستغلون المشكلات بين دول الخليج وإيران لإشعال الفتنة الطائفية.


السؤال لماذا تستغل هذه الجماعات الدينية المتشددة وبعض المتعصبين من أبناء القبائل مشكلاتنا الطارئة مع إيران لإشعال الفتنة الطائفية في مجتمعاتنا المسالمة؟ هنالك أسباب كثيرة أهمها كسب الولاء الشعبي للفوز بالانتخابات البرلمانية، والدليل على ذلك قيام عضو مجلس الأمة الكويتي السابق الدكتور وليد الطبطبائي بتشكيل تنظيم إسلامي جديد تحت مسمى مؤتمر إنقاذ الأمة يهدف إلى مواجهة العدوان الإيراني، وقد بعث هذا التنظيم في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 برسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يبارك فيها كل الخطوات التي اتخذها لمواجهة العدوان الإيراني مع الأقطار العربية والإسلامية.


تهدف الجماعات الدينية إلى إضعاف الدولة الأم القوية التي تعزز مفهوم المواطنة والتي تعني ضمان الحياة الكريمة للجميع والحرية لكل فرد والمساواة أمام القانون.


مخطئ من يظن أن خلافاتنا مع إيران ذات طابع ديني ومذهبي. لا أحد ينكر أن إيران تسعى لإقامة دولة دينية مذهبية إثني عشرية في المنطقة، فالهدف الإيراني هو إقامة أنظمة حكم مشابهة لها تتبنى أفكارها الخاصة بولاية الفقيه، الأمر الذي يجعل نظام الملالي في إيران، وهو النموذج الإيراني للدولة الإسلامية، مرفوضًا من قبل الأغلبية من الشعوب في الخليج ليس لأنه نظام شيعي، بل لأنه نظام استبدادي قمعي يصادر الحريات باسم الدين، ويشاركنا المشاعر نفسها الأغلبية من القوى والأحزاب الديمقراطية في إيران التي تتوق للحرية السياسية والاقتصادية.. إخواننا المواطنون من الشيعة العرب في الخليج والعالم العربي معظمهم يرفضون مفهوم ولاية الفقيه ما عدا بعض الأحزاب الدينية الطائفية في العراق ولبنان.. الشيعة العرب أعلنوا أن مرجعيتهم الدينية الرئيسية في النجف ويتزعمها آية الله العظمى علي السيستاني الذي يرفض الوصاية الإيرانية على العراق ويرفض كذلك مفهوم ولاية الفقيه.


هذا الأمر لا تعيه جماعات الإسلام السياسي التي تدق طبول الحرب الطائفية، وتدعو لمحاربة الشيعة في بلداننا واتهامهم بالولاء لإيران.. في محاولة لخلق الفئة الطائفية البغيضة بين الشعوب العربية في الخليج.. فهذا يصب في مصلحة القوى المعادية للعرب مثل أميركا وإسرائيل. وفي هذا السياق يأتي إعلان السيناتور الأميركي جون ماكين مسؤول اللجنة العسكرية في الكونغرس الأميركي قبل أكثر من أسبوع عن ضرورة توفير مائة ألف جندي معظمهم من الدول السنية لقتال «داعش» مع وجود عشرة آلاف جندي أميركي من ضمنهم لقتال تنظيم الدواعش، وكذلك دعوة أحد المحافظين الجدد جون بولتون الذي كتب مقالة في «نيويورك تايمز» عن حتمية إقامة «دولة سنية» على أنقاض تنظيم داعش في المنطقة الجغرافية التي يسيطر عليها في شرق سوريا وغرب العراق في موازاة دولة شيعية في جنوب العراق وكردية في شماله.


تصاعد الاتهامات الغربية والأميركية بالذات ضد السعودية وقطر بتغذية الإرهاب واحتضانه بعد سقوط الطائرة الروسية وأحداث باريس المؤسفة ولندن وأميركا وغيرها، كلها مؤشرات واضحة على أن المنطقة في طريقها للتمزيق والتفتت؛ لذلك علينا كشعوب أن نكون واعين للمؤامرات التي تحاك ضدنا بتمزيق الشعوب وجعلهم يحاربون بعضهم البعض حتى تضعف الدول وتتمزق.


وأخيرًا، نرى أن قضية التعددية المذهبية والدينية والقومية تعتبر عنصر قوة وتجديد وتنمية متجددة في المجتمعات الديمقراطية الحديثة، حيث تشكل ثروة بشرية وروحية وفكرية إلا في مجتمعاتنا العربية الإسلامية المتخلفة، حيث أصبحت التعددية الفكرية والدينية والقومية السبب الرئيسي لنشوء التوترات والمشكلات بين الطوائف.
&